Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 38-60)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَفِى مُوسَىٰ } معطوف على { وَفِى ٱلأَرْضِ ءايَـٰتٌ } أو على قوله { وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً } على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله : @ علفتها تبناً وماء بارداً @@ { إِذْ أَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } بحجة ظاهرة وهي اليد والعصا { فَتَوَلَّىٰ } فأعرض عن الإيمان { بِرُكْنِهِ } بما كان يتقوى به من جنوده وملكه ، والركن ما يركن إليه الإنسان من مال وجند { وَقَالَ سَـٰحِرٌ } أي هو ساحر { أَوْ مَجْنُونٌ فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ } آتٍ بما يلام عليه من كفره وعناده . وإنما وصف يونس عليه السلام به في قوله { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } ( الصافات ) 142 ) لأن موجبات اللوم تختلف وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم ، فراكب الكفر ملوم على مقداره ، وراكب الكبيرة والصغيرة والذلة كذلك ، والجملة مع الواو حال من الضمير في { فَأَخَذْنَـٰهُ } . { وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرّيحَ ٱلْعَقِيمَ } هي التي لا خير فيها من إنشاء مطر أو إلقاح شجر وهي ريح الهلاك ، واختلف فيها والأظهر أنها الدبور لقوله عليه السلام : " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " { مَا تَذَرُ مِن شَىْء أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } هو كل ما رم أي بلي وتفتت من عظم أو نبات أو غير ذلك ، والمعنى ما تترك من شيء هبت عليه من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إلا أهلكته { وَفِى ثَمُودَ } آية أيضاً { إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } تفسيره قوله { تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } [ هود : 65 ] { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ } فاستكبروا عن امتثاله { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } العذاب وكل عذاب مهلك صاعقة { ٱلصعقة } علي وهي المرة من مصدر صعقتهم الصاعقة { وَهُمْ يَنظُرُونَ } لأنها كانت نهاراً يعاينونها { فَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ مِن قِيَامٍ } أي هرب أو هو من قولهم ما يقوم به إذا عجز عن دفعه { وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } ممتنعين من العذاب أو لم يمكنهم مقابلتنا بالعذاب لأن معنى الانتصار المقابلة { وَقَوْمَ نُوحٍ } أي وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه ، أو واذكر قوم نوح . وبالجر أبو عمرو وعلي وحمزة أي وفي قوم نوح آية ويؤيده قراءة عبد الله { وَفِى قَوْمُ نُوحٍ } { مِن قَبْلُ } من قبل هؤلاء المذكورين { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } كافرين . { وَٱلسَّمَاء } نصب بفعل يفسره { بَنَيْنَـٰهَا بِأَيْيْدٍ } بقوة والأيد القوة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لقادرون من الوسع وهي الطاقة والموسع القوي على الإنفاق أو لموسعون ما بين السماء والأرض { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا } بسطناها ومهدناها وهي منصوبة بفعل مضمر أي فرشنا الأرض فرشناها { فَنِعْمَ ٱلْمَـٰهِدُونَ } نحن { وَمِن كُلّ شَىْء } من الحيوان { خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } ذكراً وأنثى . وعن الحسن : السماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والبر والبحر والموت والحياة ، فعدد أشياء وقال كل اثنين منها زوج والله تعالى فرد لا مثل له { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي فعلنا ذلك كله من بناء السماء وفرش الأرض وخلق الأزواج لتتذكروا فتعرفوا الخالق وتعبدوه { فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ } أي من الشرك إلى الإيمان بالله أو من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن أو مما سواه إليه { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } والتكرير للتوكيد والإطالة في الوعيد أبلغ . { كَذٰلِكَ } الأمر مثل ذلك وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميته ساحراً أو مجنوناً . ثم فسر ما أجمل بقوله { مَا أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من قبل قومك { مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ } هو { سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } رموهم بالسحر أو الجنون لجهلهم { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } الضمير للقول أي أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول حتى قالوه جميعاً متفقين عليه { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَـٰغُونَ } أي لم يتواصوا به لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد بل جمعتهم العلة الواحدة وهي الطغيان والطغيان هو الحامل عليه { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } فأعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة فلم يجيبوا عناداً { فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ } فلا لوم عليك في إعراضك بعدما بلغت الرسالة وبذلت مجهودك في البلاغ والدعوة { وَذَكِّر } وعظ بالقرآن { فَإِنَّ ٱلذّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بأن تزيد في عملهم { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } العبادة إن حملت على حقيقتها فلا تكون الآية عامة بل المراد بها المؤمنون من الفريقين دليله السياق أعني { وَذَكّرْ فَإِنَّ ٱلذّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهذا لأنه لا يجوز أن يخلق الذين علم منهم أنهم لا يؤمنون للعبادة لأنه إذا خلقهم للعبادة وأراد منهم العبادة فلا بد أن توجد منهم ، فإذا لم يؤمنوا علم أنه خلقهم لجهنم كما قال : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] . وقيل : إلا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن علي رضي الله عنه . وقيل : إلا ليكونوا عباداً لي . والوجه أن تحمل العبادة على التوحيد فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : كل عبادة في القرآن فهي توحيد . والكل يوحدونه في الآخرة لما عرفه أن الكفار كلهم مؤمنون موحدون في الآخرة دليلة قوله { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . نعم قد أشرك البعض في الدنيا بالإضافة إلى الأبد أقل من يوم ، ومن اشترى غلاماً وقال : ما اشتريته إلا للكتابة كان صادقاً في قوله ما اشتريته إلا للكتابة ، وإن استعمله في يوم من عمره لعمل آخر { مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ } ما خلقتهم ليرزقوا أنفسهم أو واحداً من عبادي { وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } قال ثعلب : أن يطعموا عبادي وهي إضافة تخصيص كقوله عليه السلام خبراً عن الله تعالى : " من أكرم مؤمناً فقد أكرمني ومن آذى مؤمناً فقد آذاني " { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } الشديد القوة والمتين بالرفع صفة لذو ، وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوة على تأويل الاقتدار { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } رسول الله بالتكذيب من أهل مكة { ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَـٰبِهِمْ } نصيباً من عذاب الله مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون المهلكة . قال الزجاج : الذنوب في اللغة النصيب { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } نزول العذاب وهذا جواب النضر وأصحابه حين استعجلوا العذاب { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } أي من يوم القيامة . وقيل : من يوم بدر { ليعبدوني } ، { أن يطعموني } . { فَلا يستعجلوني } بالياء في الحالين : يعقوب ، وافقه سهل في الوصل الباقون بغير ياء ، والله أعلم .