Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 23-38)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنْ هِىَ } ما الأصنام { إِلاَّ أَسْمَاء } ليس تحتها في الحقيقة مسميات لأنكم تدعون الإلهية لما هو أبعد شيء منها وأشذ منافاة لها { سَمَّيْتُمُوهَا } أي سميتم بها يقال سميته زيداً وسميته بزيد { أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } حجة { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } إلا توهم أن ما هم عليه حق { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } وما تشتهيه أنفسهم { وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } الرسول والكتاب فتركوه ولم يعملوا به { أَمْ لِلإنسَـٰنِ مَا تَمَنَّىٰ } هي « أم » المنقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار أي ليس للإنسان يعني الكافر ما تمنى من شفاعة الأصنام أو من قوله : { وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] . وقيل : هو تمني بعضهم أن يكون هو النبي { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } أي هو مالكهما وله الحكم فيهما يعطى النبوة والشفاعة من شاء وارتضى لا من تمني . { وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ لاَ تُغْنِى شَفَـٰعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَىٰ } يعني أن أمر الشفاعة ضيق فإن الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم شيئاً قط ، ولا تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلاً لأن يشفع له فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } أي كل واحد منهم { تَسْمِيَةَ ٱلأُنثَىٰ } لأنهم إذا قالوا للملائكة بنات الله فقد سموا كل واحد منهم بنتاً وهي تسمية الأنثى . { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ } أي بما يقولون وقرىء بها أي بالملائكة أو التسمية { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } هو تقليد الآباء { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقّ شَيْئاً } أي إنما يعرف الحق الذي هو حقيقة الشيء وما هو عليه بالعلم والتيقن لا بالظن والتوهم { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } فأعرض عمن رأيته معرضاً عن ذكر الله أي القرآن { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا * ذٰلِكَ } أي اختيارهم الدنيا والرضا بها { مَبْلَغُهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } منتهى علمهم { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } أي هو أعلم بالضال والمهتدي ومجازيهما . { وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَٰئُواْ بِمَا عَمِلُواْ } بعقاب ما عملوا من السوء أو بسبب ما عملوا من السوء { وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } بالمثوبة الحسنى وهي الجنة أو بسبب الأعمال الحسنى ، والمعنى أن الله عز وجل إنما خلق العالم وسوى هذه الملكوت ليجزي المحسن من المكلفين والمسيء منهم إذ الملك أهل لنصر الأولياء وقهر الأعداء { ٱلَّذِينَ } بدل أو في موضع رفع على المدح أي هم الذين { يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإثْمِ } أي الكبائر من الإثم لأن الإثم جنس يشتمل على كبائر وصغائر والكبائر الذنوب التي يكبر عقابها ، { كَبِيرٌ } حمزة وعلي أي النوع الكبير منه { وَٱلْفَوٰحِشَ } ما فحش من الكبائر كأنه قال : والفواحش منها خاصة . قيل : الكبائر ما أوعد الله عليه النار والفواحش ما شرع فيها الحد { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } أي الصغائر والاستثناء منقطع لأنه ليس من الكبائر والفواحش وهو كالنظرة والقبلة واللمسة والغمزة { إِنَّ رَبَّكَ وٰسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } فيغفر ما يشاء من الذنوب من غير توبة { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ } أي أباكم { مّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ } جمع جنين { فِى بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ } فلا تنسبوها إلى زكاء العمل وزيادة الخير والطاعات ، أو إلى الزكاة والطهارة من المعاصي ولا تثنوا عليها واهضموها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولاً وآخراً قبل أن يخرجكم من صلب آدم عليه السلام ، وقبل أن تخرجوا من بطون أمهاتكم . وقيل : كان ناس يعملون أعمالاً حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت . وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء لا على سبيل الاعتراف بالنعمة فإنه جائز لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } فاكتفوا بعلمه عن علم الناس وبجزائه عن ثناء الناس . { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى تَوَلَّىٰ } أعرض عن الإيمان . { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } قطع عطيته وأمسك ، وأصله إكداء الحافر وهو أن تلقاه كدية وهي صلابة كالصخرة فيمسك عن الحفر . عن ابن عباس رضي الله عنهما : فيمن كفر بعد الإيمان . وقيل : في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيره بعض الكافرين وقال له : تركت دين الأشياخ وزعمت أنهم في النار . قال : إني خشيت عذاب الله . فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل به ومنعه { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } فهو يعلم أن ما ضمنه من عذاب الله حق { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } يخبر { بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَىٰ } أي التوراة { وَإِبْرٰهِيمَ } أي وفي صحف إبراهيم { ٱلَّذِى وَفَّىٰ } أي وفر وأتم كقوله { فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] وإطلاقه ليتناول كل وفاء وتوفية . وقرىء مخففاً والتشديد مبالغة في الوفاء . وعن الحسن : ما أمره الله بشيء إلا وفى به ، وعن عطاء بن السائب : عهد أن لا يسأل مخلوقاً فلما قذف في النار قال له جبريل : ألك حاجة ؟ فقال أما إليك فلا . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " وفي عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار وهي صلاة الضحى " ورُوي " ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى ؟ كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } إلى { حِينٍ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 18 ] " وقيل : وفي سهام الإسلام وهي ثلاثون : عشرة في « التوبة » { ٱلتَّـٰئِبُونَ } [ التوبة : 112 ] ، وعشرة في « الأحزاب » { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الآية : 35 ] وعشرة في « المؤمنين » { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] ثم أعلم بما في صحف موسى وإبراهيم فقال { أَلاَّ تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } تزر من وزر يزر إذا اكتسب وزراً وهو الإثم ، و « إن » مخففة من الثقيلة والمعنى أنه لا تزر والضمير ضمير الشأن ومحل « أن » وما بعدها الجر بدلاً من { مَا فِى صُحُفِ مُوسَىٰ } أو الرفع على هو أن لا تزر كأن قائلاً قال : وما في صحف موسى وإبراهيم ؟ فقيل : { أَلاَّ تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي لا تحمل نفس ذنب نفس .