Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 39-62)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } إلا سعيه وهذه أيضاً مما في صحف إبراهيم وموسى ، وأما ما صح في الأخبار من الصدقة عن الميت والحج عنه فقد قيل : إن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمناً كان سعي غيره كأنه سعي نفسه لكونه تابعاً له وقائماً بقيامه ، ولأن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } أي يرى هو سعيه يوم القيامة في ميزانه { ثُمَّ يُجْزَاهُ } ثم يجزى العبد سعيه . يقال : جزاه الله عمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل ، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء . ثم فسره بقوله { ٱلْجَزَاء ٱلأَوْفَىٰ } أو أبدله عنه { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } هذا كله في الصحف الأولى . والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء أي ينتهي إليه الخلق ويرجعون إليه كقوله : { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [ آل عمران : 28 ] { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } خلق الضحك والبكاء . وقيل : خلق الفرح والحزن . وقيل : أضحك المؤمنين في العقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب و { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } قيل : أمات الآباء وأحيا الأبناء ، أو أمات بالكفر وأحيا بالإيمان ، أو أمات هنا وأحيا ثمة { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } إذا تدفق في الرحم يقال منى وأمنى { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } الإحياء بعد الموت { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } وأعطى القنية وهي المال الذي تأثلته وعزمت أن لا تخرجه من يدك . { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشّعْرَىٰ } هو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر وكانت خزاعة تعبدها ، فأعلم الله أنه رب معبودهم هذا { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } هم قوم هود وعاد الأخرى إرم { عَادٍ الولى } مدني وبصري غير سهل بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة { أُوْلِى } ونقل ضمتها إلى لام التعريف { وَثَمُودَاْ فَمَا أَبْقَىٰ } حمزة وعاصم الباقون { وَثَمُودَاْ } وهو معطوف على { عَاداً } ولا ينصب بـ { فَمَا أَبْقَىٰ } لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبله لا تقول : زيداً فضربت ، وكذا ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله ، والمعنى وأهلك ثمود فما أبقاهم . { وَقَوْمَ نُوحٍ } أي أهلك قوم نوح { مِن قَبْلُ } من قبل عاد وثمود { إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } من عاد وثمود لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حرام وينفرون عنه حتى كانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ } والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهم قوم لوط يقال : أفكه فأتفك { أَهْوَىٰ } أي رفعها إلى السماء على جناح جبريل ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها و { المؤتفكة } منصوب بـ { أَهْوَىٰ } { فَغَشَّـٰهَا } ألبسها { مَا غَشَّىٰ } تهويل وتعظيم لما صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود { فَبِأَىّ الآء رَبّكَ } أيها المخاطب { تَتَمَارَىٰ } تتشكك بما أولاك من النعم أو بما كفاك من النقم ، أو بأي نعم ربك الدالة على وحدانيته وربوبيته تشكك { هَـٰذَا نَذِيرٌ } أي محمد منذر { مّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } من المنذرين الأولين . وقال { ٱلأولَىٰ } على تأويل الجماعة أو هذا القرآن نذير من النذر الأولى أي إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } قربت الموصوفة بالقرب في قوله : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } أي ليس لها نفس كاشفة أي مبينة متى تقوم كقوله : { لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } [ الأعراف : 187 ] . أو ليس لها نفس كاشفة أي قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله تعالى غير أنه لا يكشفها { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } أي القرآن { تَعْجَبُونَ } إنكاراً { وَتَضْحَكُونَ } استهزاء { وَلاَ تَبْكُونَ } خشوعاً { وَأَنتُمْ سَـٰمِدُونَ } غافلون أو لاهون لاعبون ، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } أي فاسجدوا لله واعبدوه ولا تعبدوا الآلهة ، والله أعلم .