Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 14-42)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِن صَلْصَـٰلٍ } طين يابس له صلصلة { كَٱلْفَخَّارِ } أي الطين المطبوخ بالنار وهو الخذف . ولا اختلاف في هذا وفي قوله { مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } [ الحجر : 26 ] { مّن طِينٍ لاَّزِبٍ } [ الصافات : 11 ] { مّن تُرَابٍ } [ غافر : 67 ] لاتفاقها معنى لأنه يفيد أنه خلقه من تراب ثم جعله طيناً ثم حمأ مسنوناً ثم صلصالاً { وَخَلَقَ ٱلْجَانَّ } أبا الجن قيل : هو إبليس { مِن مَّارِجٍ } هو اللهب الصافي الذي لا دخان فيه . وقيل : المختلط بسواد النار من مرج الشيء إذا اضطرب واختلط { مّن نَّارٍ } هو بيان لما رج كأنه قيل : من صاف من نار أو مختلط من نار ، أو أراد من نار مخصوصة كقوله { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } [ الليل : 14 ] { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } أراد مشرقي الشمس في الصيف والشتاء ومغربيهما . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } أي أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين لا فصل بين الماءين في مرأى العين { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } حاجز من قدرة الله تعالى { لاَّ يَبْغِيَانِ } لا يتجاوزان حديهما ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة { فَبِأَىّ الاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ يَخْرُجُ } { يَخْرُجُ } مدني وبصري { مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ } بلا همز : أبو بكر ويزيد وهو كبار الدر { وَالمَرْجَانُ } صغاره . وإنما قال { مِنْهُمَا } وهما يخرجان من الملح لأنهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال يخرجان منهما كما يقال يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه وتقول : خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله . وقيل : لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب { فَبِأَىّ الاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } . { وَلَهُ } ولله { ٱلْجَوَارِ } السفن جمع جارية . قال الزجاج : الوقف عليها بالياء والاختيار وصلها ، وإن وقف عليها واقف بغير ياء فذا جائز على بعد ولكن يروم الكسر في الراء ليدل على حذف الياء { المنشآت } المرفوعات الشرع { المنشآت } بكسر الشين ، حمزة ويحيـى الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن { فِى ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلَـٰمِ } جمع علم وهو الجبل الطويل { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا } على الأرض { فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ } ذاته { ذُو ٱلْجَلْـٰلِ } ذو العظمة والسلطان وهو صفة الوجه { وَٱلإكْرَامِ } بالتجاوز والإحسان ، وهذه الصفة من عظيم صفات الله وفي الحديث " ألظوا بياذا الجلال والإكرام " وروي أنه عليه السلام مر برجل وهو يصلي ويقول يا ذا الجلال والإكرام فقال : قد استجيب لك . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } والنعمة في الفناء باعتبار أن المؤمنين به يصلون إلى النعيم السرمد . وقال يحيـى بن معاذ : حبذا الموت فهو الذي يقرب الحبيب إلى الحبيب . { يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } وقف عليها نافع كل من أهل السماوات والأرض مفتقرون إليه فيسأله أهل السماوات ما يتعلق بدينهم وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم ، وينتصب { كُلَّ يَوْمٍ } ظرفاً بما دل عليه { هُوَ فِى شَأْنٍ } أي كل وقت وحين يحدث أموراً ويجدد أحوالاً كما روي أنه عليه السلام تلاها فقيل له : وما ذلك الشأن ؟ فقال : من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين . وعن ابن عيينة : الدهر عند الله يومان : أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب . وقيل : نزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شأناً . وسأل بعض الملوك وزيره عن الآية فاستمهله إلى الغد وذهب كئيباً يفكر فيها فقال غلام له أسود : يا مولاي أخبرني ما أصابك لعل الله يسهل لك على يدي فأخبره فقال : أنا أفسرها للملك فأعلمه فقال : أيها الملك شأن الله أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، ويشفي سقيماً ويسقم سليماً ، ويبتلي معافى ويعافي مبتلي ، ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً ، ويفقر غنياً ويغني فقيراً . فقال الأمير : أحسنت وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة فقال : يا مولاي هذا من شأن الله . وقيل : سوق المقادير إلى المواقيت . وقيل : إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي : قوله { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } وقد صح أن الندم توبة ، وقوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة ، وقوله { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } فما بال الأضعاف ؟ فقال الحسين : يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة ، وقيل : إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله . وكذا قيل : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى مخصوص بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام . وأما قوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها . فقام عبد الله وقبل رأسه وسوع خراجه { فَبِأَىّ الاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ } مستعار من قول الرجل لمن يتهدده « سأفرغ لك » يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه ، والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه . ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا وتبلغ آخرها وتنتهي عند ذلك شئون الخلق التي أرادها بقوله { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } فلا يبقى إلي شأن واحد وهو جزاؤكم فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل . { سيفرغ } حمزة وعلي أي الله تعالى { أَيُّه ٱلثَّقَلاَنِ } الإنس والجن سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } . { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنّ وَٱلإنْسِ } هو كالترجمة لقوله { أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } { إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَـٰرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ } أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هرباً من قضائي فاخرجوا ، ثم قال { لاَ تَنفُذُونَ } لا تقدرون على النفوذ { إِلاَّ بِسُلْطَـٰنٍ } بقوة وقهر وغلبة وأنى لكم ذلك ؟ وقيل : دلهم على العجز عن قوتهم للحساب غداً بالعجز عن نفوذ الأقطار اليوم . وقيل : يقال لهم هذا يوم القيامة حين تحدق بهم الملائكة فإذا رآهم الجن والإنس هربوا فلا يأتون وجهاً إلا وجدوا الملائكة احتاطت به { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ } وبكسر الشين : مكي وكلاهما اللهب الخالص { وَنُحَاسٌ } أي دخان { وَنُحَاسٌ } مكي وأبو عمرو فالرفع عطف على شواظ ، والجر على نار ، والمعنى إذا خرجتم من قبوركم يرسل عليكما لهب خالص من النار ودخان يسوقكم إلى المحشر { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } فلا تمتنعان منهما { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاء } انفك بعضها من بعض لقيام الساعة { فَكَانَتْ وَرْدَةً } فصارت كلون الورد الأحمر . وقيل : أصل لون السماء الحمرة ولكن من بعدها ترى زرقاء { كَٱلدّهَانِ } كدهن الزيت كما قال { كَٱلْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] وهو دردي الزيت وهو جمع دهن وقيل : الدهان الأديم الأحمر { فبأيّ ءالآ ءربّكما تكذّبان فيومئذٍ } أي فيوم تنشق السماء { لاَّ يُسْـئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ } أي ولا جن فوضع الجان الذي هو أبو الجن موضع الجن كما يقال : هاشم ويراد ولده والتقدير : لا يسئل إنس ولا جان عن ذنبه . والتوفيق بين هذه الآية وبين قوله { فَوَرَبّكَ لَنَسْـئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 92 ] وقوله { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] أن ذلك يوم طويل وفيه مواطن فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر . وقال قتادة : قد كانت مسئلة ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون . وقيل : لا يسئل عن ذنبه ليعلم من جهته ولكن يسئل للتوبيخ . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـٰهُمْ } بسواد وجوههم وزرقة عيونهم { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِى وَٱلاْقْدَامِ } أي يؤخذ تارة بالنواصي وتارة بالأقدام . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }