Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 43-78)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِى يُكَذّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ } ماء حار قد انتهى حره أي يعاقب عليهم بين التصلية بالنار وبين شرب الحميم { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } والنعمة في هذا نجاة الناجي منه بفضله ورحمته وما في الإنذار به من التنبيه { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة فترك المعاصي أو فأدى الفرائض . وقيل : هو مقحم كقوله : ونفيت عنه مقام الذئب أي نفيت عنه الذئب { جَنَّتَانِ } جنة الإنس وجنة الجن لأن الخطاب للثقلين وكأنه قيل : لكل خائفين منكما جنتان : جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } أغصان جمع فنن وخص الأفنان لأنها هي التي تورق وتثمر ، فمنها تمتد الظلال ، ومنها تجتنى الثمار ، أو ألوان جمع فن أي له فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين قال : @ ومن كل أفنان اللذاذة والصبا لهوت به والعيش أخضر ناضر @@ { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا } في الجنتين { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } حيث شاءوا في الأعالي والأسافل . وعن الحسن : تجريان بالماء الزلال إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ } صنفان : صنف معروف وصنف غريب { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ } نصب على المدح للخائفين أو حال منهم لأن من خاف في معنى الجمع { عَلَى فُرُشٍ } جمع فراش { بَطَائِنُهَا } جمع بطانة { مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } ديباج ثخين وهو معرب . قيل : ظهائرها من سندس . وقيل : لا يعلمها إلا الله { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } وثمرها قريب يناله القائم والقاعد والمتكيء . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِنَّ } . في الجنتين لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس أو في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجني { قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ } نساء قصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } بكسر الميم : الدوري وعلي بضم الميم والطمث الجماع بالتدمية { إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } وهذا دليل على أن الجن يطمثون كما يطمث الإنس { فَبِأَىّ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ } صفاء { وَالمَرْجَانُ } بياضاً فهو أبيض من اللؤلؤ { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ } في العمل { إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } في الثواب وقيل : ما جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة . وعن إبراهيم الخواص فيه : هل جزاء الإسلام إلا دار السلام . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا } ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للمقربين { جَنَّتَانِ } لمن دونهم من أصحاب اليمين { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُدْهَآمَّتَانِ } سوداوان من شدة الخضرة قال الخليل الدهمة السواد { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } فوارتان بالماء لا تنقطعان { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ } ألوان الفواكه { وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } والرمان والتمر ليسا من الفواكه عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه للعطف ، ولأن التمر فاكهة وغذاء والرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه ، وهما قالا : إنما عطفا على الفاكهة لفضلهما كأنهما جنسان آخران لما لهما من المزية كقوله { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [ البقرة : 98 ] . { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرٰتٌ حِسَانٌ } أي خيرات فخففت وقرىء خيّرات على الأصل ، والمعنى فاضلات الأخلاق حسان الخلق { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورٰتٌ فِى ٱلْخِيَامِ } أي مخدرات يقال : امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة . قيل : الخيام من الدر المجوف { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ } قبل أصحاب الجنتين ودل عليهم ذكر الجنتين { وَلاَ جَانٌّ فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ مُتَّكِئِينَ } نصب على الاختصاص { عَلَىٰ رَفْرَفٍ } هو كل ثوب عريض وقيل الوسائد { خُضْرٍ وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ } ديباج أو طنافس { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } وإنما تقاصرت صفات هاتين الجنتين عن الأوليين حتى قيل { وَمِن دُونِهِمَا } لأن { مُدْهَامَّتَانِ } دون { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } و { نَضَّاخَتَانِ } دون { تَجْرِيَانِ } و { فَـٰكِهَةٍ } دون كل فاكهة وكذلك صفة الحور والمتكأ { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ } ذي العظمة . { ذُو ٱلْجَلْـٰلِ } شامي صفة للاسم { وَٱلإكْرَامِ } لأوليائه بالإنعام . روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن فقال : " مالي أراكم سكوتاً ، الجن كانوا أحسن منكم رداً ما أتيت على قول الله { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ولك الشكر " وكررت هذه الآية في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة ، ذكر ثمانية منها عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم ، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم ، وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلهما على عدد أبواب الجنة ، وثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما ، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها فتحت له أبواب الجنة وأغلقت عنه أبواب جهنم نعوذ بالله منها . والله أعلم .