Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-34)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } قامت القيامة . وقيل : وصفت بالوقوع لأنها تقع لا محالة فكأنه قيل : إذا وقعت الواقعة التي لا بد من وقوعها . ووقوع الأمر نزوله يقال : وقع ما كنت أتوقعه أي نزل ما كنت أترقب نزوله . وانتصاب { إِذَا } بإضمار « اذكر » { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } نفس كاذبة أي لا تكون حين تقع نفس تكذب على الله وتكذب في تكذيب الغيب لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدقة ، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات . واللام مثلها في قوله تعالى : { يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } [ الفجر : 24 ] { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي هي خافضة رافعة ترفع أقواماً وتضع آخرين { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } حركت تحريكاً شديداً حتى ينهدم كل شيء فوقها من جبل وبناء ، وهو بدل من { إِذَا وَقَعَتِ } ، ويجوز أن ينتصب بـ { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبسّ الجبال { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } وفتتت حتى تعود كالسويق أو سيقت من بس الغنم إذا ساقها كقوله : { وَسُيّرَتِ ٱلْجِبَالُ } [ النبأ : 20 ] { فَكَانَتْ هَبَاء } غباراً { مُّنبَثّاً } متفرقاً { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً } أصنافاً يقال للأصناف التي بعضها من بعض أو يذكر بعضها من بعض أزواج { ثَلَـٰثَةً } صنفان في الجنة وصنف في النار . ثم فسر الأزواج فقال { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } مبتدأ وهم الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } مبتدأ وخبر وهما خبر المبتدأ الأول ، وهو تعجيب من حالهم في السعادة وتعظيم لشأنهم كأنه قال : ما هم وأي شيء هم ؟ { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } أي الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية الخسيسة من قولك : فلان مني باليمين وفلان مني بالشمال إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة ، وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل . وقيل : يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين وبأهل النار ذات الشمال { مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ } أي أيُّ شيء هم ؟ وهو تعجيب من حالهم بالشقاء { وَٱلسَّـٰبِقُونَ } مبتدأ { ٱلسَّـٰبِقُونَ } خبره تقديره السابقون إلى الخيرات السابقون إلى الجنات . وقيل : الثاني تأكيد للأول والخبر { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } والأول أوجه { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } أي هم في جنات النعيم { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } أي هم ثلة ، والثلة الأمة من الناس الكثيرة ، والمعنى أن المسابقين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى نبينا محمد عليهما السلام ، وقليل من الآخرين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : من الأولين من متقدمي هذه الأمة ، ومن الآخرين من متأخريها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " الثلتان جميعاً من أمتي " . { عَلَىٰ سُرُرٍ } جمع سرير ككثيب وكثب { مَّوْضُونَةٍ } مرمولة ومنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت { مُتَّكِئِينَ } حال من الضمير في { عَلَىٰ } وهو العامل فيها أي استقروا عليها متكئين { عَلَيْهَا مُتَقَـٰبِلِينَ } ينظر بعضهم في وجوه بعض ولا ينظر بعضهم في أقفاء بعض ، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة و { مُّتَقَـٰبِلِينَ } حال أيضاً { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } يخدمهم { وِلْدٰنٌ } غلمان جمع وليد { مُّخَلَّدُونَ } مبقّون أبداً على شكل الولدان لا يتحولون عنه . وقيل : مقرّطون والخلدة القرط . قيل : هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها ، وفي الحديث : " أولاد الكفار خدام أهل الجنة " { بِأَكْوَابٍ } جمع كوب وهي آنية لا عروة لها ولا خرطوم { وَأَبَارِيقَ } جمع إبريق وهو ماله خرطوم وعروة { وَكَأْسٍ } وقدح فيه شراب وإن لم يكن فيه شراب فليس بكأس { مّن مَّعِينٍ } من خمر تجري من العيون { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي بسببها وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها أو لا يفرقون عنها { وَلاَ يُنزِفُونَ } ولا يسكرون . نزف الرجل ذهب عقله بالسكر . { وَلاَ يُنزِفُونَ } بكسر الزاي : كوفي أي لا ينفد شرابهم . يقال : أنزف القوم إذا فني شرابهم { وَفَـٰكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } يأخذون خيره وأفضله . { وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } يتمنون { وَحُورٌ } جمع حوراء { عِينٌ } جمع عيناء أي وفيها حور عين أو ولهم حور عين ، ويجوز أن يكون عطفاً على { وِلْدٰنٌ } { وَحُورٌ } : يزيد وحمزة وعلي عطفاً على { جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } كأنه قال : هم في جنات النعيم وفاكهة ولحم وحورٍ { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ } في الصفاء والنقاء { ٱلْمَكْنُونِ } المصون . وقال الزجاج : كأمثال الدر حين يخرج من صدفه لم يغيره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } جزاء مفعول له أي يفعل بهم ذلك كله لجزاء أعمالهم أو مصدر أي يجزون جزاء . { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } في الجنة { لَغْواً } باطلاً { وَلاَ تَأْثِيماً } هذياناً { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } إلا قولاً ذا سلامة . والاستثناء منقطع و { سَلاَماً } بدل من { قِيلاً } أو مفعول به لـ { قِيلاً } أي لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً . والمعنى أنهم يفشون السلام بينهم فيسلمون سلاماً بعد سلام { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ * فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } السدر شجر النبق والمخضود الذي لا شوك له كأنما خضد شوكه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } الطلح شجر الموز والمنضود الذي نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه فليست له ساق بارزة { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } ممتد منبسط كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } جار بلا حد ولا خد أي يجري على الأرض في غير أخدود { وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } أي كثيرة الأجناس { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } لا تنقطع في بعض الأوقات كفواكه الدنيا بل هي دائمة { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } لا تمنع عن متناولها بوجه . وقيل : لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } رفيعة القدر أو نضدت حتى ارتفعت أو مرفوعة على الأسرة . وقيل : هي النساء لأن المرأة يكنى عنها بالفراش مرفوعة على الأرائك قال الله تعالى : { هُمْ وَأَزْوٰجُهُمْ فِى ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } [ يس : 56 ] . ويدل عليه قوله .