Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 35-67)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّا أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَاء } ابتدأنا خلقهن ابتداء من غير ولادة ، فإما أن يراد اللاتي ابتدىء انشاؤهن أو اللاتي أعيد انشاؤهن ، وعلى غير هذا التأويل أضمر لهن لأن ذكر الفرش وهي المضاجع دل عليهن { فَجَعَلْنَـٰهُنَّ أَبْكَـٰراً } عذارى كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً { عُرُباً } { عرْباً } حمزة وخلف ويحيـى وحماد جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل { أَتْرَاباً } مستويات في السن بنات ثلاث وثلاثين وأزواجهن كذلك ، واللام في { لأَِصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } من صلة { أَنشَأْنَا } { ثُلَّةٌ } أي أصحاب اليمين ثلة { مّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } فإن قلت : كيف قال قبل هذا { وَقِيلَ مَنْ ٱلآخَرِينَ } ثم قال هنا { وَثُلَّةٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } ؟ قلت : ذاك في السابقين وهذا في أصحاب اليمين ، وأنهم يتكاثرون من الأولين والآخرين جميعاً . وعن الحسن : سابقوا الأمم أكثر من سابقي أمتنا ، وتابعوا الأُمم مثل تابعي هذه الأمة . { وَأَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلشّمَالِ } الشمال والمشأمة واحدة { فِى سَمُومٍ } في حر نار ينفذ في المسام { وَحَمِيمٍ } وماء حار متناهي الحرارة { وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ } من دخان أسود { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } نفي لصفتي الظل عنه يريد أنه ظل ولكن لا كسائر الظلال سماه ظلا ، ثم نفى عنه برد الظل وروحه ونفعه من يأوي إليه من أذى الحر وذلك كرمه ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح إليه ، والمعنى أنه ظل حار ضار { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } أي في الدنيا { مُتْرَفِينَ } منعمين فمنعهم ذلك من الانزجار وشغلهم عن الاعتبار { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ } يداومون { عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } أي على الذنب العظيم أو على الشرك لأنه نقض عهد الميثاق ، والحنث نقض العهد المؤكد باليمين أو الكفر بالبعث بدليل قوله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] { وَكَانُواْ يِقُولُونَ * أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ } تقديره : أنبعث إذا متنا ؟ وهو العامل في الظرف ، وجاز حذفه إذ { مَّبْعُوثُونَ } يدل عليه ، ولا يعمل فيه { مَّبْعُوثُونَ } لأن « إن » والاستفهام يمنعان أن يعمل ما بعدهما فيما قبلهما { أَوَ ءابَاؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف وحسن العطف على المضمر في { لَمَبْعُوثُونَ } من غير توكيد بـ « نحن » للفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله { مَا أَشْرَكْنَا وَلآ ءَابَآؤُنَا } [ الأنعام : 148 ] لفصل لا المؤكدة للنفي . { أَوَ ءابَاؤُنَا } مدني وشامي . { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم ، والإضافة بمعنى « من » كخاتم فضة ، والميقات ما وقت به الشيء أي حد ومنه مواقيت الإحرام وهي الحدود التي لا يجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرماً { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ } عن الهدى { ٱلْمُكَذّبُونَ } بالبعث وهم أهل مكة ومن في مثل حالهم { لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ } « من » لابتداء الغاية { مّن زَقُّومٍ } « من » لبيان الشجر { فَمَالِـئَونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } أنث ضمير الشجر على المعنى وذكره على اللفظ في منها وعليه . { فَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ } بضم الشين : مدني وعاصم وحمزة وسهل ، وبفتح الشين : غيرهم وهما مصدران { ٱلْهِيمِ } هي إبل عطاش لا تروى جمع أهيم وهيماء ، والمعنى أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل ، فإذا ملئوا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم فيشربونه شرب الهيم . وإنما صح عطف الشاربين على الشاربين وهما لذوات متفقة وصفتان متفقتان لأن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة ، وقطع الأمعاء أمر عجيب وشربهم له على ذلك كما يشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضاً فكانتا صفتين مختلفتين { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ } هو الرزق الذي يعد للناس تكرمة له { يَوْمِ ٱلدّينِ } يوم الجزاء { نَحْنُ خَلَقْنَـٰكُمْ فَلَوْلاَ } فهلا { تُصَدّقُونَ } تحضيض على التصديق فكأنهم مكذبون به ، وإما بالبعث لأن من خلق أولاً لم يمتنع عليه أن يخلق ثانياً . { أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } ما تمنونه أي تقذفونه في الأرحام من النطف { ءأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } تقدرونه وتصورونه وتجعلونه بشراً سوياً { أَم نَحْنُ ٱلْخَـٰلِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } تقديراً قسمناه عليكم قسمة الأرزاق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط { قَدَّرْنَآ } بالتخفيف : مكي سبقته بالشيء إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ، فمعنى قوله { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ } إنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه . و { أَمْثَـٰلَكُم } جمع مثل أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق { وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وعلى أن ننشئكم في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها يعني أنا نقدر على الأمرين جميعاً : على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم ، فكيف نعجز عن إعادتكم ؟ ويجوز أن يكون { أَمْثَـٰلَكُم } جمع مثل أي على أن نبدل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم وننشئكم في صفات لا تعلمونها { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } { النشاءة } مكي وأبو عمرو { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } أن من قدر على شيء مرة لم يمتنع عليه ثانياً ، وفيه دليل صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى . { أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } ما تحرثونه من الطعام أي تثيرون الأرض وتلقون فيها البذر { ءأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ } تنبتونه وتردونه نباتاً { أَمْ نَحْنُ ٱلزرِعُونَ } المنبتون وفي الحديث : " لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت " { لَّوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَـٰماً } هشيماً متكسراً قبل إدراكه { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } تعجبون أو تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه ، أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها { إِنَّاْ } أي تقولون إنا { أئنا } أبو بكر { لَمُغْرَمُونَ } لملزمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك { بَلْ نَحْنُ } قوم { مَحْرُومُونَ } محارفون محدودون لا مجدودون لا حظ لنا ولا بخت لنا ولو كنا مجدودين لما جرى علينا هذا .