Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 68-96)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَرَءيْتُمُ ٱلْمَاء ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ } أي الماء العذب الصالح للشرب { ءأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ } السحاب الأبيض وهو أعذب ماء { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } بقدرتنا { لَوْ نَشَاء جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجاً } ملحاً أو مراً لا يقدر على شربه { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } فهلا تشكرون . ودخلت اللام على جواب لو في قوله { لَجَعَلْنَاهُ حُطَـٰماً } ونزعت منه هنا ، لأن « لو » لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة الشرط كـ « إن » ولا عاملة مثلها وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضموني جملتيها ، أن الثاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق ، فزيدت هذه اللام لتكون علماً على ذلك ، ولما شهر موقعه لم يبال بإسقاطه عن اللفظ لعلم كل أحد به وتساوي حالي حذفه وإثباته ، على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغنٍ عن ذكرها ثانية ، ولأن هذه اللام تفيد معنى التأكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن المطعوم مقدم على أمر المشروب ، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم ، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب . { أَفَرَءيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى تُورُونَ } تقدحونها وتستخرجونها من الزناد ، والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة { ءأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا } التي منها الزناد { أَم نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } الخالقون لها ابتداء { نَحْنُ جَعَلْنَـٰهَا } أي النار { تَذْكِرَةٌ } تذكيراً لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش وعممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به { وَمَتَـٰعاً } ومنفعة { لّلْمُقْوِينَ } للمسافرين النازلين في القواء وهي القفر ، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من قولهم « أقوت الدار » إذا خلت من ساكنيها . بدأ بذكر خلق الإنسان فقال { أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم ، ثم بما فيه قوامه وهو الحب فقال { أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } ثم بما يعجن به ويشرب عليه وهو الماء ، ثم بما يخبز به وهو النار ، فحصول الطعام بمجموع الثلاثة ولا يستغني عنه الجسد ما دام حياً { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ } فنزه ربك عما لا يليق به أيها المستمع المستدل ، أو أراد بالاسم الذكر أي فسبح بذكر ربك { ٱلْعَظِيمِ } صفة للمضاف أو للمضاف إليه . وقيل : قل سبحان ربي العظيم وجاء مرفوعاً أنه لما نزلت هذه الآية قال : اجعلوها في ركوعكم . { فَلاَ أُقْسِمُ } أي فأقسم و « لا » مزيدة مؤكدة مثلها قوله { لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [ الحديد : 29 ] وقرىء { فلأقسم } ومعناه فلأَنا أقسم ، اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبر وهي « أنا أقسم » ، ثم حذف المبتدأ . ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأن حقها أن تكون اللام لام القسم لأن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة { بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } بمساقطها ومغاربها { بموقع } حمزة وعلي ، ولعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالاً مخصوصة عظيمة أو للملائكة عبادات موصوفة ، أو لأنه وقت قيام المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان عليهم فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } وهو اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين القسم والمقسم عليه وهو قوله { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ } حسن مرضي أو نفاع جم المنافع أو كريم على الله ، واعترض بـ { لَّوْ تَعْلَمُونَ } بين الموصوف وصفته { فِى كِتَـٰبِ } أي اللوح المحفوظ { مَّكْنُونٌ } مصون عن أن يأتيه الباطل أو من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } من جميع الأدناس أدناس الذنوب وغيرها إن جعلت الجملة صفة لـ { كِتَـٰبٍ مَّكْنُونٍ } وهو اللوح ، وإن جعلتها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس والمراد مس المكتوب منه { تَنزِيلَ } صفة رابعة للقرآن أي منزل { مِن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أو وصف بالمصدر لأنه نزل نجوماً من بين سائر كتب الله فكأنه في نفسه تنزيل ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه فقيل : جاء في التنزيل كذا ونطق به التنزيل ، أو هو تنزيل على حذف المبتدأ . { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } أي القرآن { أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } متهاونون به كمن يدهن في بعض الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاوناً به { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب أي وضعتم التكذيب موضع الشكر . وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به . وقيل : نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليهم والرزق المطر أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم . { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ } النفس أي الروح عند الموت { ٱلْحُلْقُومَ } ممر الطعام والشراب { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } الخطاب لمن حضر الميت تلك الساعة { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } إلى المحتضر { مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } لا تعقلون ولا تعلمون { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم { تَرْجِعُونَهَا } تردون النفس وهي الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أنكم غير مربوبين مقهورين . { فَلَوْلا } في الآيتين للتحضيض يستدعي فعلاً وذا قوله { تَرْجِعُونَهَا } واكتفى بذكره مرة ، وترتيب الآية فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين ، و { فَلَوْلا } الثانية مكررة للتأكيد ونحن أقرب إليه منكم يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة الموت ، والمعنى أنكم في جحودكم آيات الله في كل شيء ، إن أنزل عليكم كتاباً معجزاً قلتم سحر وافتراء ، وإن أرسل إليكم رسولاً صادقاً قلتم ساحر كذاب ، وإن رزقكم مطراً يحييكم به قلتم صدق نوء كذا على مذهب يؤدي إلى الإهمال والتعطيل ، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثمة قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدىء المعيد ؟ . { فَأَمَّا إِن كَانَ } المتوفي { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة في أول السورة { فَرَوْحٌ } فله استراحة { وَرَيْحَانٌ } ورزق { وَجَنَّـٰتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ * فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } أي فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين أي يسلمون عليك كقوله { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } { وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذّبِينَ ٱلضَّالّينَ } هم الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة وهم الذين قيل لهم في هذه السورة { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ ٱلْمُكَذّبُونَ } { فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي إدخال فيها . وفي هذه الآيات إشارة إلى أن الكفر كله ملة واحدة ، وأن أصحاب الكبائر من أصحاب اليمين لأنهم غير مكذبين { إِنَّ هَذَا } الذي أنزل في هذه السورة { لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي الحق الثابت من اليقين { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } رُوي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل على ابن مسعود رضي الله عنه في مرض موته فقال له : ما تشتكي ؟ فقال : ذنوبي . فقال : ما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال : أفلا تدعو الطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني . فقال : ألا نأمر بعطائك ؟ قال : لا حاجة لي فيه . قال : ندفعه إلى بناتك . قال : لا حاجة لهن فيه قد أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً " وليس في هذه السور الثلاث ذكر الله : اقتربت ، الرحمن ، الواقعة ، والله أعلم .