Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 1-12)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَبَّحَ للَّهِ } جاء في بعض الفواتح « سبح » بلفظ الماضي ، وفي بعضها بلفظ المضارع ، وفي « بني إسرائيل » بلفظ المصدر ، وفي « الأعلى » بلفظ الأمر استيعاداً لهذه الكلمة من جميع جهاتها وهي أربع : المصدر والماضي والمضارع والأمر . وهذا الفعل قد عُدي باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله { وَتُسَبّحُوهُ } [ الفتح : 9 ] وأصله التعدي بنفسه لأن معنى سبحته بعدته من السوء منقول من سبح إذا ذهب وبعد ، فاللام إما أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له ، وإما أن يراد بسبح الله اكتسب التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصاً { مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ } ما يتأتى منه التسبيح ويصح { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } المنتقم من مكلف لم يسبح له عناداً { ٱلْحَكِيمُ } في مجازاة من سبح له انقياداً { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } لا لغيره وموضع { يُحْيىِ } رفع أي هو يحيـي الموتى { وَيُمِيتُ } الأحياء أو نصب أي له ملك السماوات والأرض محيياً ومميتاً { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ هُوَ ٱلأَوَّلُ } هو القديم الذي كان قبل كل شيء { وَٱلآخِرُ } الذي يبقي بعد هلاك كل شيء { وَٱلظَّـٰهِرُ } بالأدلة الدالة عليه { وَٱلْبَـٰطِنُ } لكونه غير مدرك بالحواس وإن كان مرئياً . والواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية ، والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء ، وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين فهو مستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية ، وهو في جميعها ظاهر وباطن . وقيل : الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه ، والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه { وَهُوَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } . { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ } عن الحسن : من أيام الدنيا ولو أراد أن يجعلها في طرفة عين لفعل ولكن جعل الستة أصلاً ليكون عليها المدار { ثُمَّ ٱسْتَوَى } استولى { عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلأَرْضِ } ما يدخل في الأرض من البذر والقطر والكنوز والموتى { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من النبات وغيره { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاء } من الملائكة والأمطار { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من الأعمال والدعوات { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } بالعلم والقدرة عموماً وبالفضل والرحمة خصوصاً { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فيجازيكم على حسب أعمالكم { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ } يدخل الليل في النهار بأن ينقض من الليل ويزيد في النهار { وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } . { ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ } يحتمل الزكاة والإنفاق في سبيل الله { مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها وإنما مولكم إياها للاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيها فليست هي بأموالكم في الحقيقة ، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب ، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى ، وليهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل الإنفاق من مال غيره إذا أذن له فيه ، أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم بتوريثه إياكم وسينقله منكم إلى من بعدكم فاعتبروا بحالهم ولا تبخلوا به { فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بالله ورسله { مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } هو حال من معنى الفعل في { مَالَكُمْ } كما تقول : مالك قائماً ؟ بمعنى ما تصنع قائماً أي ومالكم كافرين بالله . والواو في { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } واو الحال فهما حالان متداخلتان ، والمعنى وأي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم { لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَـٰقَكُمْ } وقبل ذلك قد أخذ الله ميثاقكم بقوله : { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] أو بما ركب فيكم من العقول ومكنكم من النظر في الأدلة ، فإذا لم تبق لكم علة بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول فما لكم لا تؤمنون ؟ { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } لموجب ما فإن هذا الموجب لا مزيد عليه { أُخِذَ مِيثَـٰقَكُمْ } أبو عمرو . { هُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { ءايَـٰتٍ بَيّنَاتٍ } يعني القرآن { لِيُخْرِجَكُمْ } الله تعالى أو محمد بدعوته { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءوفٌ } بالمد والهمزة : حجازي وشامي وحفص { رَّحِيمٌ } الرأفة أشد الرحمة { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ } في أن لا تنفقوا { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باقٍ لأحد من مال وغيره يعني وأي غرض لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله والجهاد مع رسوله والله مهلككم فوارث أموالكم ؟ وهو من أبلغ البعث على الإنفاق في سبيل الله . ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال { لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَـٰتَلَ } أي فتح مكة قبل عز الإسلام وقوة أهله ودخول الناس في دين الله أفواجاً ، ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لأن قوله : { مّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ } يدل عليه { أُوْلَـٰئِكَ } الذين أنفقوا قبل الفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " { أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَـٰتَلُواْ وَكُلاًّ } أي كل واحد من الفريقين { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات . { وَكُلاًّ } مفعول أول لـ { وَعْدُ } و { ٱلْحُسْنَىٰ } مفعول ثانٍ . { وَكُلٌّ } : شامي أي وكل وعده الله الحسنى نزلت في أبي بكر رضي الله عنه لأنه أول من أسلم وأول من أنفق في سبيل الله وفيه دليل على فضله وتقدمه { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازيكم على قدر أعمالكم . { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } بطيب نفسه والمراد الإنفاق في سبيله واستعير لفظ القرض ليدل على التزام الجزاء { فَيُضَاعِفَهُ لَهُ } أي يعطيه أجره على إنفاقه أضعافاً مضاعفة من فضله { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه . { فيضعّفُهُ } مكي { فيضعفَهُ } شامي { فَيُضَاعِفَهُ } : عاصم وسهل { فيضاعفُهُ } غيرهم . فالنصب على جواب الاستفهام ، والرفع على فهو يضاعفه أو عطف على { يُقْرِضُ } { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ظرف لقوله { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أو منصوب بإضمار « اذكر » تعظيماً لذلك اليوم { يَسْعَىٰ } يمضي { نُورُهُم } نور التوحيد والطاعات . وإنما قال { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم ، فيجعل النور في الجهتين شعاراً لهم وآية لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا وبصحائفهم البيض أفلحوا ، فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومروا على الصراط يسعون سعي بسعيهم ذلك النور وتقول لهم الملائكة { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ } أي دخول جنات لأن البشارة تقع بالأحداث دون الجثث { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } .