Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 13-24)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ يَقُولُ } هو بدل من { يَوْمَ تَرَى } { ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱنظُرُونَا } أي انتظرونا لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة . { أَنظُرُونَا } حمزة من النظرة وهي الإمهال جعل اتئادهم في المضي إلى أن يلحقوا بهم إنظاراً لهم { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } طرد لهم وتهكم بهم أي تقول لهم الملائكة ، أو المؤمنون ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هنالك فمن ثم يقتبس ، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه وهو الإيمان { فَضُرِبَ بَيْنَهُم } بين المؤمنين والمنافقين { بِسُورٍ } بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار . قيل : هو الأعراف { لَهُ } لذلك السور { بَابٍ } لأهل الجنة يدخلون منه { بَاطِنُهُ } باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة { فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } أي النور أو الجنة { وَظَـٰهِرُهُ } ما ظهر لأهل النار { مِن قِبَلِهِ } من عنده ومن جهته { ٱلْعَذَابَ } أي الظلمة أو النار { يُنَـٰدُونَهُمْ } أي ينادي المنافقون المؤمنين { أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } يريدون مرافقتهم في الظاهر { قَالُواْ } أي المؤمنون { بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } محنتموها بالنفاق وأهلكتموها { وَتَرَبَّصْتُمْ } بالمؤمنين الدوائر { وَٱرْتَبْتُمْ } وشككتم في التوحيد { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِىُّ } طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار { حَتَّىٰ جَاء أَمْرُ ٱللَّهِ } أي الموت { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } وغركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم أو بأنه لا بعث ولا حساب . { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ } وبالتاء : شامي { مّنكُمْ } أيها المنافقون { فِدْيَةٌ } ما يفتدى به { وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } مرجعكم { هِىَ مَوْلَـٰكُمْ } هي أولى بكم وحقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما يقال : هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل إنه لكريم { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } النار . { أَلَمْ يَأْنِ } من أنى الأمر يأنى إذا جاء إناه أي وقته . قيل : كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين . وعن ابن أبي بكر رضي الله عنه : إن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديداً فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } بالتخفيف : نافع وحفص . الباقون { نَزَّلَ } و « ما » بمعنى « الذي » ، والمراد بالذكر وما نزل من الحق القرآن لأنه جامع للأمرين للذكر والموعظة وأنه حق نازل من السماء { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ } القراءة بالياء عطف على { تَخْشَعَ } وبالتاء : ورش على الالتفاف ، ويجوز أن يكون نهياً لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد أن وبخوا ، وذلك أن بني إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم ، فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } الأجل أو الزمان { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } باتباع الشهوات { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين أي وقليل منهم مؤمنون { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } قيل : هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض . { إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ } بتشديد الدال وحده : مكي وأبو بكر وهو اسم فاعل من « صدق » وهم الذين صدقوا الله ورسوله يعني المؤمنين . الباقون بتشديد الصاد والدال وهو اسم فاعل من « تصدق » فأدغمت التاء في الصاد وقرىء على الأصل { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } هو عطف على معنى الفعل في { ٱلْمُصَدّقِينَ } لأن اللام بمعنى « الذين » واسم الفاعل بمعنى الفعل وهو اصدقوا كأنه قيل : إن الذين اصدقوا وأقرضوا والقرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدقة { يُضَاعَفُ لَهُمُ } { يضعف } مكي وشامي { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي الجنة { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصّدّيقُونَ وَٱلشُّهَدَاء عِندَ رَبّهِمْ } يريد أن المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } أي مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ، ويجوز أن يكون { وَٱلشُّهَدَاء } مبتدأ و { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } خبره { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } . { ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ } كلعب الصبيان { وَلَهْوٌ } كلهو الفتيان { وَزِينَةٌ } كزينة النسوان { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } كتفاخر الأقران { وَتَكَاثُرٌ } كتكاثر الدهقان { فِى ٱلأَمْوٰلِ وَٱلأَوْلْـٰدِ } أي مباهاة بهما والتكاثر ادعاء الاستكثار { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } بعد خضرته { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } متفتتاً ، شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات ، فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاماً عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين . وقيل : الكفار الزراع { وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } للكفار { وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ } للمؤمنين يعني أن الدنيا وما فيها ليست إلا من محقرات الأمور وهي اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر ، وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام وهي العذاب الشديد والمغفرة والرضوان من الله الحميد . والكاف في { كَمَثَلِ غَيْثٍ } في محل رفع على أنه خبر بعد خبر أي الحياة الدنيا مثل غيث { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } لمن ركن إليها واعتمد عليها . قال ذو النون : يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فإن الزاد منها والمقيل في غيرها . ولما حقر الدنيا وصغر أمرها وعظم أمر الآخرة بعث عباده على المسارعة إلى نيل ما وعد من ذلك وهي المغفرة المنجية من العذاب الشديد والفوز بدخول الجنة بقوله { سَابِقُواْ } أي بالأعمال الصالحة { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } وقيل : سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } قال السدي : كعرض سبع السماوات وسبع الأرضين . وذكر العرض دون الطول لأن كل ماله عرض وطول فإن عرضه أقل من طوله ، فإذا وصف عرضه بالبسطة عرف أن طوله أبسط ، أو أريد بالعرض البسطة وهذا ينفي قول من يقول : إن الجنة في السماء الرابعة ، لأن التي في إحدى السماوات لا تكون في عرض السماوات والأرض { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللهِ وَرُسُلِهِ } وهذا دليل على أنها مخلوقة { ذٰلِكَ } الموعود من المغفرة والجنة { فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } وهم المؤمنون ، وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } . ثم بين أن كل كائن بقضاء الله وقدره بقوله { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ } من الجدب وآفات الزروع والثمار . وقوله { فِى ٱلأَرْضِ } في موضع الجر أي ما أصاب من مصيبة ثابتة في الأرض { وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ } من الأمراض والأوصاب وموت الأولاد { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } في اللوح وهو في موضع الحال أي إلا مكتوباً في اللوح { مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } من قبل أن نخلق الأنفس { إِنَّ ذٰلِكَ } إن تقدير ذلك وإثباته في كتاب { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } وإن كان عسيراً على العباد . ثم علل ذلك وبين الحكمة فيه بقوله : { لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } تحزنوا حزناً يطغيكم { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها { وَلاَ تَفْرَحُواْ } فرح المختال الفخور { بِمَا ءاتَـٰكُمْ } أعطاكم من الإيتاء . أبو عمرو وأتاكم أي جاءكم من الإتيان يعني أنكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله ، قل أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي ، لأن من علم أن ما عنده مفقود لا محالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه وطن نفسه على ذلك ، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه وأن وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله ، وليس أحد إلا وهو يفرح عند منفعة تصيبه ويحزن عند مضرة تنزل به ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكراً والحزن صبراً ، وإنما يذم من الحزن الجزع المنافي للصبر ومن الفرح الأشر المطغي الملهي عن الشكر { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } لأن من فرح بحظ من الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبر على الناس { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } خبر مبتدأ محذوف أو بدل من كل مختال فخور كأنه قال : لا يحب الذين يبخلون ، يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالاً وحظاً من الدنيا ، فلحبهم له وعزته عندهم يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } ويحضون غيرهم على البخل ويرغبونهم في الإمساك { وَمَن يَتَوَلَّ } يعرض عن الإنفاق أو عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ } عن جميع المخلوقات فكيف عنه ؟ { ٱلْحَمِيدِ } في أفعاله . { فَإِنَّ ٱللَّهَ ٱلْغَنِىُّ } بترك « هو » : مدني وشامي .