Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 25-29)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا } يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } بالحجج والمعجزات { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي الوحي . وقيل : الرسل الأنبياء . والأول أولى لقوله { مَعَهُمْ } لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب { وَٱلْمِيزَانَ } رُوي أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال : مر قومك يزنوا به { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ } ليتعاملوا بينهم إيفاء واستيفاء { بِٱلْقِسْطِ } بالعدل ولا يظلم أحد أحداً { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } قيل : نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد : السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة . ورُوي ومعه المرّ والمسحاة . وعن الحسن : وأنزلنا الحديد خلقناه { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } وهو القتال به { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها أو ما يعمل بالحديد { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين . وقال الزجاج : ليعلم الله من يقاتل مع رسوله في سبيله { بِٱلْغَيْبِ } غائباً عنهم { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ } يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته { عَزِيزٌ } يربط بعزته جأش من يتعرض لنصرته . والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة أن الكتاب قانون الشريعة ودستور الأحكام الدينية يبين سبل المراشد والعهود ويتضمن جوامع الأحكام والحدود ، ويأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي والطغيان ، واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل ويحصل بها التساوي والتعادل وهي الميزان . ومن المعلوم أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية والآلة الموضوعة للتعامل بالسوية إنما تحض العامة على اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعنَدَ ، ونزع عن صفقة الجماعة اليد . وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرٰهِيمَ } خصا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام { وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا } أولادهما { ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَـٰبَ } الوحي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الخط بالقلم . يقال : كتب كتاباً وكتابة { فَمِنْهُمْ } فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم ذكر الإرسال والمرسلين { مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } هذا تفصيل لحالهم أي فمنهم من اهتدى باتباع الرسل ، ومنهم من فسق أي خرج عن الطاعة والغلبة للفساق . { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم } أي نوح وإبراهيم ومن مضى من الأنبياء { بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَءاتَيْنَـٰهُ ٱلإنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً } مودة وليناً { وَرَحْمَةً } تعطفاً على إخوانهم كما قال في صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] { وَرَهْبَانِيَّةً } هي ترهبهم في الجبال فارّين من الفتنة في الدين مخلصين أنفسهم للعبادة وهي الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف . فعلان من رهب كخشيان من خشي . وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره وابتدعوا رهبانية { ٱبتَدَعُوهَا } أي أخرجوها من عند أنفسهم ونذروها { مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ } لم نفرضها نحن عليهم { إِلاَّ ٱبْتِغَاء رِضْوٰنِ ٱللَّهِ } استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } كما يجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه { فَئَاتَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } أي أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام و الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } الكافرون . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } الخطاب لأهل الكتاب { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءامِنُواْ بِرَسُولِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { يُؤْتِكُمْ } الله { كِفْلَيْنِ } نصيبين { مّن رَّحْمَتِهِ } لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن قبله { وَيَجْعَل لَّكُمْ } يوم القيامة { نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } وهو النور المذكور في قوله { يَسْعَىٰ نُورُهُم } الآية { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لّئَلاَّ يَعْلَمَ } ليعلم { أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } الذين لم يسلموا و « لا » مزيدة { أَلاَّ يَقْدِرُونَ } « أن » مخففة من الثقيلة أصله أنه لا يقدرون يعني أن الشأن لا يقدرون { عَلَىٰ شَىْءٍ مّن فَضْلِ ٱللَّهِ } أي لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضل الله من الكفلين والنور والمغفرة لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله ولم يكسبهم فضلاً قط { وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ } عطف على { أَن لا يَقْدِرُونَ } { بِيَدِ ٱللَّهِ } أي في ملكه وتصرفه { يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } من عباده { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ، والله أعلم .