Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 68-82)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَـٰتِنَا } أي القرآن يعني يخوضون فى الاستهزاء بها والطعن فيها ، وكانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ولا تجالسهم وقم عنهم { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } غير القرآن مما يحل فحينئذ يجوز أن تجالسهم { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } ما نهيت عنه { يُنسِيَنَّكَ } شامي نسّي وأنسى واحد { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } بعد أن تذكر { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ * وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم } من حساب هؤلاء الذين يخوضون في القرآن تكذيباً واستهزاء { مِّن شَيْءٍ } أي وما يلزم المتقين الذين يجالسونهم شيء مما يحاسبون عليه من ذنوبهم { وَلَـٰكِنِ } عليهم أن يذكروهم { ذِكْرِى } إذا سمعوهم يخوضون بالقيام عنهم وإظهار الكراهة لهم وموعظتهم . ومحل { ذِكْرِى } نصب أي ولكن يذكرونهم ذكرى أي تذكيراً ، أورفع والتقدير ولكن عليهم ذكرى ؛ { ذِكْرِى } مبتدأ والخبر محذوف . { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } لعلهم يجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمساءتهم { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ } الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام { لَعِباً وَلَهْواً } سخروا به واستهزءوا . ومعنى { ذَرْهُمْ } أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ، واللهو ما يشغل الإنسان من هوى أو طرب { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكّرْ بِهِ } وعظ بالقرآن { أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } مخافة أن تسلم إلى الهلكة والعذاب وترتهن بسوء كسبها ، وأصل الإبسال المنع { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ } ينصرها بالقوة { وَلاَ شَفِيعٌ } يدفع عنها بالمسألة . ولا وقف على { كَسَبَتْ } في الصحيح لأن قوله { لَيْسَ لَهَا } صفة لنفس والمعنى وذكر بالقرآن كراهة أن تبسل نفس عادمة ولياً وشفيعاً بكسبها { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } نصب على المصدر وإن تفد كل فداء ، والعدل الفدية لأن الفادي يعدل المفدي بمثله ، وفاعل { لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا } لا ضمير العدل لأن العدل هنا مصدر فلا يسند إليه الأخذ ، وأما في قوله { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [ البقرة : 48 ] فبمعنى المفدى به فصح إسناده إليه { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى المتخذين من دينهم لعباً ولهواً وهو مبتدأ والخبر { ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } وقوله { لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } أي ماء سخين حار خبر ثان لـ { أُوْلَـٰئِكَ } والتقدير : أولئك المبسلون ثابت لهم شراب من حميم أو مستأنف . { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } بكفرهم . { قُلْ } لأبي بكر يقل لابنه عبد الرحمن وكان يدعو أباه إلى عبادة الأوثان { أَنَدْعُواْ } أنعبد { مِن دُونِ ٱللَّهِ } الضار النافع { مَا لاَ يَنفَعُنَا } ما لا يقدر على نفعنا إن دعوناه { وَلاَ يَضُرُّنَا } إن تركنا { وَنُرَدُّ } وأنرد { عَلَىٰ أَعْقَـٰبِنَا } راجعين إلى الشرك { بَعْدَ إِذْ هَدَٰنَا ٱللَّهُ } للإسلام وأنقذنا من عبادة الأصنام { كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ } كالذي ذهبت به الغيلان ومردة الجن . والكاف في محل النصب على الحال من الضمير في { نُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِنَا } أي أننكص مشبهين من استهوته الشياطين وهو استفعال من هوى في الأرض إذا ذهب فيها كأن معناه طلبت هويه { فِي ٱلأَرْضِ } في المهمه { حَيْرَانَ } حال من مفعول { ٱسْتَهْوَتْهُ } أي تائهاً ضالاً عن الجادة لا يدري كيف يصنع { لَهُ } لهذا المستهوي { أَصْحَـٰبٌ } رفقة { يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } إلى أن يهدوه الطريق . سمي الطريق المستقيم بالهدى يقولون له { ٱئْتِنَا } وقد اعتسف المهمة تابعاً للجن لا يجيبهم ولا يأتيهم ، وهذا مبني على ما يقال إن الجن تستهوي الإنسان ، والغيلان تستولي عليه ، فشبه به الضال عن طريق الإسلام التابع لخطوات الشيطان ، والمسلمون يدعونه إليه فلا يلتفت إليهم { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ } وهو الإسلام { هُوَ ٱلْهُدَىٰ } وحده وما وراءه ضلال { وَأُمِرْنَا } محله النصب بالعطف على محل { إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } على أنهما مقولان كأنه قيل : قل هذا القول وقل أمرنا { لِنُسْلِمَ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ } والتقدير : وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا أي للإسلام ولإقامة الصلاة { وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يوم القيامة { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } بالحكمة أو محقاً { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } على الخبر دون الجواب { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } مبتدأ و { يَوْمَ يَقُولُ } خبره مقدماً عليه كما تقول « يوم الجمعة قولك الصدق » أي قولك الصدق كائن يوم الجمعة واليوم بمعنى الحين . والمعنى أنه خلق السماوات والأرض بالحق والحكمة وحين يقول لشيء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء ، قوله الحق والحكمة أي لا يكوَّن شيئاً من السماوات والأرض وسائر المكونات إلا عن حكمة وصواب { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } مبتدأ وخبر { يَوْمَ يُنفَخُ } ظرف لقوله { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } { فِي ٱلصُّورِ } هو القرن بلغة اليمن أو جمع صورة { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } هو عالم الغيب { وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي السر والعلانية { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } في الإفناء والإحياء { ٱلْخَبِيرُ } بالحساب والجزاء . { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } هو اسم أبيه أو لقبه لأنه لا خلاف بين النسابين أن اسم أبيه تارخ ، وهو عطف بيان لأبيه وزنه فاعل { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءَالِهَةً } استفهام توبيخ أي أتتخذها آلهة وهي لا تستحق الإلهية { إِنّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ * وَكَذٰلِكَ } أي وكما أريناه قبح الشرك { نُرِي إِبْرٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي نري بصيرته لطائف خلق السماوات والأرض ، ونرى حكاية حال ماضية . والملكوت أبلغ من الملك لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة . قال مجاهد : فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى نظره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى ما فيهن { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } فعلنا ذلك أو ليستدل ، وليكون من الموقنين عياناً كما أيقن بياناً { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } أي أظلم وهو عطف على { قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَبِيهِ } وقوله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرٰهِيمَ } جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه { رَءاَ كَوْكَباً } أي الزهرة أو المشتري ، وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئاً منها ليس بإلٰه لقيام دليل الحدوث فيها ، ولأن لها محدثاً أحدثها ومدبراً دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها . فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه { قَالَ هَـٰذَا رَبّي } أي قال لهم هذا ربي في زعمكم ، أو المراد أهذا استهزاء بهم وإنكاراً عليهم ، والعرب تكتفي عن حرب الاستفهام بنغمة الصوت . والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه لأنه أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب ، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة { فَلَمَّا أَفَلَ } غاب { قَالَ لا أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال لأن ذلك من صفات الأجسام { فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } مبتدئاً في الطلوع { قَالَ هَـٰذَا رَبّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلّينَ } نبه قومه على أن من اتخذ القمر إلٰهاً فهو ضال ، وإنما احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال لأن الاحتجاج به أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب { فَلَمَّا رَءا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبّي } وإنما ذكره لأنه أراد الطالع ، أو لأنه جعل المبتدأ مثل الخبر لأنهما شيء واحد معنى ، وفيه صيانة الرب عن شبهة التأنيث ولهذا قالوا في صفات الله تعالى علام ولم يقولوا علامة وإن كان الثاني أبلغ تفادياً من علامة التأنيث { هَـٰذَا أَكْبَرُ } من باب استعمال النصفة أيضاً مع خصومه { فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنّي بَرِىءٌ مّمَّا تُشْرِكُونَ } من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها . وقيل : هذا كان نظره واستدلاله في نفسه فحكاه الله تعالى ، والأول أظهر لقوله { يٰقَوْمِ إِنّي بَرِىءٌ مّمَّا تُشْرِكُونَ } { إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي للذي دلت هذه المحدثات على أنه منشئها { حَنِيفاً } حال أي مائلاً عن الأديان كلها إلى الإسلام { وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } بالله شيئاً من خلقه . { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ } في توحيد الله تعالى ونفى الشركاء عنه { قَالَ أَتُحَآجُّونّي فِي ٱللَّهِ } في توحيده . { أَتُحَاجُّونّي } مدني وابن ذكوان { وَقَدْ هَدَٰنِ } إلى التوحيد ، وبالياء في الوصل : أبو عمرو . ولما خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء قال { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبّي شَيْئاً } أي لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربي أن يصيبني منها بضر ، فهو قادر على أن يجعل فيما شاء نفعاً وفيما شاء ضراً لا الأصنام { وَسِعَ رَبّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } فلا يصيب عبداً شيء من ضر أو نفع إلا بعلمه { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } فتميزوا بين القادر والعاجز { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ } معبوداتكم وهي مأمونة الخوف { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ } بإشراكه { عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰناً } حجة إذ الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة ، والمعنى وما لكم تنكرون عليّ الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ } أي فريقي الموحدين والمشركين { أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } من العذاب { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ولم يقل « فأينا » احترازاً من تزكية نفسه ، ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ } بشرك عن الصديق رضي الله عنه { أُوْلَٰـئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } تم كلام إبراهيم عليه السلام .