Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 83-92)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا } إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } إلى قوله { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } { ءاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } وهو خبر بعد خبر { نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَاءُ } في العلم والحكمة وبالتنوين كوفي وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ } بالرفع { عَلِيمٌ } بالأهل . { وَوَهَبْنَا لَهُ } لإبراهيم { إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا } أي كلهم وانتصب { كَلاَّ } بـ { هَدَيْنَا } { وَنُوحاً هَدَيْنَا } أي وهدينا نوحاً { مِن قَبْلُ } من قبل إبراهيم { وَمِن ذُرّيَّتِهِ } الضمير لنوح أو لإبراهيم ، والأوّل أظهر لأن يونس ولوطاً لم يكونا من ذرية إبراهيم { دَاوُدَ وَسُلَيْمَـٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } والتقدير : وهدينا من ذريته هؤلاء { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } ونجزي المحسنين جزاء مثل ذلك ، فالكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ } أي كلهم { مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } وذكر عيسى معهم دليل على أن النسب يثبت من قبل الأم أيضاً لأنه جعله من ذرية نوح عليه السلام وهو لا يتصل به إلا بالأم ، وبذا أجيب الحجاج حين أنكر أن يكون بنو فاطمة أولاد النبي عليه السلام { وَإِسْمَـٰعِيلَ وَٱلْيَسَعَ } { والليسع } حيث كان بلامين : حمزة وعلي { وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } بالنبوة والرسالة { وَمِنْ ءَابَائِهِمْ } في موضع النصب عطفاً على { كُلاَّ } أي وفضلنا بعض آبائهم { وَذُرّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوٰنِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ وَهَدَيْنَـٰهُمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ * ذٰلِكَ } أي ما دان به هؤلاء المذكورون { هُدَى ٱللَّهِ } دين الله { يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } فيه نقض قول المعتزلة لأنهم يقولون إن الله شاء هداية الخلق كلهم لكنهم لم يهتدوا { وَلَوْ أَشْرَكُواْ } مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات العلىٰ { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } لبطلت أعمالهم كما قال { لئن أشركت ليحبطن عملك } [ الزمر : 65 ] أُوْلَـٰئكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يريد الجنس { وَٱلْحُكْمَ } والحكمة أو فهم الكتاب { وَٱلنُّبُوَّةَ } وهي أعلى مراتب البشر { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } بالكتاب والحكم والنبوة أو بآيات القرآن { هَٰـؤُلآء } أي أهل مكة { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً } هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله : { أُوْلَٰـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } أو أصحاب النبي عليه السلام ، أوكل من آمن به أو العجم . ومعنى توكيلهم بها أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه . والباء في { لَّيْسُواْ بِهَا } صلة { كَـٰفِرِينَ } وفي { بِكَـٰفِرِينَ } لتأكيد النفي { أُوْلَٰـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي الأنبياء الذين مر ذكرهم { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } فاختص هداهم بالاقتداء ولا تقتد إلا بهم ، وهذا معنى تقديم المفعول . والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع فهي مختلفة ، والهاء في { ٱقْتَدِهْ } للوقف تسقط في الوصل ، واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء في المصحف ويحذفها حمزة . وعلى في الوصل ويختلسها : شامي . { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ } على الوحي أو على تبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد { أَجْراً } جعلاً . وفيه دليل على أن أخذ الأجر على تعليم القرآن ورواية الحديث لا يجوز { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ } ما القرآن إلا عظة للجن والإنس { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ } أي ما عرفوه حق معرفته في الرحمة على عباده حين أنكروا بعثة الرسل والوحي إليهم ، وذلك من أعظم رحمته { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] رُوي أن جماعة من اليهود منهم مالك بن الصيف كانوا يجادلون النبي عليه السلام فقال النبي عليه السلام له " أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين " قال : نعم . قال : " فأنت الحبر السمين " فغضب وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء . و { حَقَّ قَدْرِهِ } منصوب نصب المصدر . { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُوراً } حال من الضمير في { بِهِ } أو { مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } { وَهُدًى لّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرٰطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } مما فيه نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعضوه وجعلوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة ليتمكنوا مما راموا من الإبداء والإخفاء . وبالياء في الثلاثة : مكي وأبو عمرو { وَعُلِّمْتُمْ } يا أهل الكتاب بالكتاب { مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَاؤُكُمْ } من أمور دينكم ودنياكم { قُلِ ٱللَّهُ } جواب أي أنزله الله فإنهم لا يقدرون أن يناكروك { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ } في باطلهم الذي يخوضون فيه { يَلْعَبُونَ } حال من { ذَرْهُمْ } أو { مِنْ خَوْضِهِمْ } { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ } على نبينا عليه السلام { مُّبَارَكٌ } كثير المنافع والفوائد { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب { وَلِتُنذِرَ } وبالياء : أبو بكر ، أي الكتاب وهو معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل : أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } مكة ، وسميت أم القرى لأنها سرة الأرض وقبلة أهل القرى وأعظمها شأناً ولأن الناس يؤمونها { وَمَنْ حَوْلَهَا } أهل الشرق والغرب { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } يصدقون بالعاقبة ويخافونها { يُؤْمِنُونَ بِهِ } بهذا الكتاب فأصل الدين خوف العاقبة فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن { وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } خصت الصلاة بالذكر لأنها علم الإيمان وعماد الدين فمن حافظ عليها يحافظ على أخواتها ظاهراً .