Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-7)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } أرادوا شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } أي والله يعلم أن الأمر كما يدل عليه قولهم { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } في ادعاء المواطأة أو إنهم لكاذبون فيه لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة فهم كاذبون في تسميته شهادة ، أو إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } وقاية من السبي والقتل وفيه دليل على أن أشهد يمين { فَصَدُّواْ } الناس { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } عن الإسلام بالتنفير وإلقاء الشبه { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله . وفي « ساء » معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين { ذٰلِكَ } إشارة إلى قوله { سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالاً { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ، ثم كفروا ، ثم ظهر كفرهم بعد ذلك بقولهم : إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير ونحو ذلك ، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا } [ البقرة : 14 ] الآية . { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } فختم عليها حتى لا يدخلها الإيمان جزاء على نفاقهم { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } لا يتدبرون أو لا يعرفون صحة الإيمان . والخطاب في { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ } لرسول الله أو لكل من يخاطب { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } كان ابن أبيّ رجلاً جسيماً صبيحاً فصيحاً ، وقوم من المنافقين في مثل صفته ، فكانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيستندون فيه ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياً كلهم ويسمعون إلى كلامهم . وموضع { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ } رفع على « هم كأنهم خشب » ، أو هو كلام مستأنف لا محل له { مُّسَنَّدَةٌ } إلى الحائط ، شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع ، أو لأنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام ، { خُشُبٌ } أبو عمرو غير عباس وعلي جمع خشبة كبدنة وبدون خشب كثمرة وثمر { يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم } { كُلَّ صَيْحَةٍ } مفعول أول والمفعول الثاني { عَلَيْهِمْ } وتم الكلام أي يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم لخيفتهم ورعبهم يعني إذا نادى منادٍ في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوه إيقاعاً بهم . ثم قال { هُمُ ٱلْعَدُوُّ } أي هم الكاملون في العداوة لأن أعدى الأعداء العدو المداجي الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي { فَٱحْذَرْهُمْ } ولا تغترر بظاهرهم { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } دعاء عليهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } كيف يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ } عطفوها وأمالوها إعراضاً عن ذلك واستكباراً { لَوَّوْاْ } بالتخفيف : نافع { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } يعرضون { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } عن الاعتذار والاستغفار . رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم وقتلهم ، ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد أجير لعمر وسنان الجهني حليف لابن أبي واقتتلا ، فصرخ جهجاه : يا للمهاجرين ، وسنان : يا للأنصار ، فأعان جهجاهاً جعال من فقراء المهاجرين ولطم سناناً فقال عبد الله لجعال وأنت هناك وقال : ما صحبنا محمداً إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال : سمن كلبك يأكلك . أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، عني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لقومه : والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد . فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال : أنت والله الذليل المبغض في قومك ، ومحمد على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن وقوة من المسلمين . فقال عبد الله : اسكت فإنما كنت ألعب . فأخبر زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله . فقال : إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب . قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصارياً . قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه . وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله : أنت صاحب الكلام الذي بلغني ؟ قال : والله أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك وإن زيداً لكاذب فهو قوله { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } فقال الحاضرون : يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام عسى أن يكون قدوهم . فلما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : يا غلام إن الله قد صدقك وكذب المنافقين . فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه فقال : أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت وما بقي لي إلا أن أسجد لمحمد ، فنزل { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ } ولم يلبث إلا أياماً حتى اشتكى ومات . { سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } أي ما داموا على النفاق . والمعنى سواء عليهم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعتدون به لكفرهم ، أو لأن الله لا يغفر لهم . وقرىء { استغفرت } على حذف حرف الاستفهام لأن « أم » المعادلة تدل عليه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ * هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } يتفرقوا { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي وله الأرزاق والقسم فهو رازقهم منها وإن أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } ولكن عبد الله وأضرابه جاهلون لا يفقهون ذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان .