Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-14)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل ، وذلك لأن الملك على الحقيقة له لأنه مبدىء كل شيء والقائم به ، وكذا الحمد لأن أصول النعم وفروعها منه ، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } أي فمنكم آتٍ بالكفر وفاعل له ، ومنكم آتٍ بالإيمان وفاعل له ، ويدل عليه { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي عالم وبصير بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم . والمعنى هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم ، وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين ، فما بالكم تفرقتم أمماً فمنكم كافر ومنكم مؤمن ؟ وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم وهو رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين . وقيل : هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية ، ومنكم مؤمن به . { خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقّ } بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقار المكلفين ليعملوا فيجازيهم { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ، ومن كان دميماً مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن ، وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما ، الجمال والبيان { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } نبه بعلمه ما في السماوات والأرض ، ثم بعلمه بما يسره العباد ويعلنونه ، ثم بعلمه بذات الصدور أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خافٍ عليه فحقه أن يتقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه . وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد وكل ما ذكره بعده قوله { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالف ولا تشكر نعمته . { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } الخطاب لكفار مكة { نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي ذاقوا وبال كفرهم في الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في العقبى . { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعد لهم من العذاب في الآخرة { بِأَنَّهُ } بأن الشأن والحديث { كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالمعجزات { فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر { فَكَفَرُواْ } بالرسل { وَتَوَلَّواْ } عن الإيمان { وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ } أطلق ليتناول كل شيء ومن جملته أيمانهم وطاعتهم { وَٱللَّهُ غَنِىٌّ } عن خلقه { حَمِيدٌ } على صنعه . { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي أهل مكة ، والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم { أَن لَّن يُبْعَثُواْ } « أن » مع ما في حيزه قائم مقام المفعولين وتقديره أنهم لن يبعثوا { قُلْ بَلَىٰ } هو إثبات لما بعد « لن » وهو البعث { وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ } أكد الإخبار باليمين . فإن قلت : ما معنى اليمين على شيء أنكروه ؟ قلت : هو جائز لأن التهديد به أعظم موقعاً في القلب فكأنه قيل لهم : ما تنكرونه كائن لا محالة . { ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ } البعث { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } هين { فَئَامِنُواْ بِٱللهِ وَرَسُولِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱلنّورِ ٱلَّذِى أَنزَلْنَا } يعني القرآن لأنه يبين حقيقة كل شيء فيهتدي به كما بالنور { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فراقبوا أموركم { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ } انتصب الظرف بقوله { لَتُنَبَّؤُنَّ } أو بإضمار « اذكر » { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغبن بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء ، كما ورد في الحديث ، ومعنى ذلك يوم التغابن . وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظام له وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً } صفة للمصدر أي عملاً صالحاً { يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ وَيُدْخِلْهُ } وبالنون فيهما : مدني وشامي { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } . { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } شدة ومرض وموت أهل أو شيء يقتضي همًّا { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بعلمه وتقديره ومشيئته كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } للاسترجاع عند المصيبة حتى يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . أو يشرحه للازدياد من الطاعة والخير ، أو يهد قلبه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وعن مجاهد : إن ابتلي صبر وإن أعطى شكر وإن ظلم غفر { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ } عن طاعة الله وطاعة رسوله { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } أي فعليه التبليغ وقد فعل { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } أي إن من الأزواج أزواجاً يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ، ومن الأولاد أولاداً يعادون آباءهم ويعقّونهم { فَٱحْذَرُوهُمْ } الضمير للعدو أو للأزواج والأولاد جميعاً أي لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عدوّ فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم { وَإِن تَعْفُواْ } عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها { وَتَصْفَحُواْ } تعرضوا عن التوبيخ { وَتَغْفِرُواْ } تستروا ذنوبهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنكم سيئاتكم . قيل : إن ناساً أرادوا الهجرة عن مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا : تنطلقون وتضيعوننا . فرقوا لهم ووقفوا ، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فزين لهم العفو .