Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 1-20)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وهي اثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمٰن الرحيم { ن } الظاهر أن المراد به هذا الحرف من حروف المعجم . وأما قول الحسن : إنه الدواة ، وقول ابن عباس : إنه الحوت الذي عليه الأرض واسمه بهموت ، فمشكل لأنه لا بد له من الإعراب سواء كان اسم جنس أو اسم علم ، فالسكون دليل على أنه من حروف المعجم { وَٱلْقَلَمِ } أي ما كتب به اللوح ، أو قلم الملائكة ، أو الذي يكتب به الناس ، أقسم به لما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف { وَمَا يَسْطُرُونَ } أي ما يسطره الحفظة أو ما يكتب به من الخير من كتب . و « ما » موصولة أو مصدرية ، وجواب القسم { مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ } أي بإنعامه عليك بالنبوة وغيرها فـ { أَنتَ } اسم « ما » وخبرها { بِمَجْنُونٍ } و { بِنِعْمَةِ رَبّكَ } اعتراض بين الاسم والخبر ، والباء في { بِنِعْمَةِ رَبّكَ } تتعلق بمحذوف ومحله النصب على الحال والعامل فيها { بِمَجْنُونٍ } وتقديره : ما أنت بمجنون منعماً عليك بذلك . ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي وهو جواب قولهم { وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] { وَإِنَّ لَكَ } على احتمال ذلك والصبر عليه { لأَجْرًا } لثواباً { غَيْرَ مَمْنُونٍ } غير مقطوع أو غير ممنون عليك به { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } قيل : هو ما أمره الله تعالى به في قوله : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] . وقالت عائشة رضي الله عنها : كان خلقه القرآن أي ما فيه من مكارم الأخلاق . وإنما استعظم خلقه لأنه جاد بالكونين وتوكل على خالقهما . { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } أي عن قريب ترى ويرون وهذا وعد له ووعيد لهم { بِأَيِيّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ } المجنون لأنه فتن أي محن بالجنون ، والباء مزيدة ، أو المفتون مصدر كالمعقول أي بأيكم الجنون . وقال الزجاج : الباء بمعنى « في » تقول : كنت ببلد كذا أي في بلد كذا ، وتقديره في أيكم المفتون أي في أي الفريقين منكم المجنون : فريق الإسلام أو فريق الكفر ؟ { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } أي هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي هو أعلم بالعقلاء هم والمهتدون { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذّبِينَ } تهييج للتصميم على معاصاتهم وقد أرادوه على أن يعبد الله مدة وآلهتهم مدة ويكفوا عنه غوائلهم { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ } لو تلين لهم { فَيُدْهِنُونَ } فيلينون لك . ولم ينصب بإضمار « أن » وهو جواب التمني لأنه عدل به إلى طريق آخر ، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون أي فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك . { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ } كثير الحلف في الحق والباطل وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف { مَّّهِينٍ } حقير في الرأي والتمييز من المهانة وهي القلة والحقارة ، أو كذاب لأنه حقير عند الناس { هَمَّازٍ } عياب طعان مغتاب { مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم ، والنميم والنميمة : السعاية { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ } بخيل ، والخير : المال أو مناع أهله من الخير وهو الإسلام ، والمراد الوليد بن المغيرة عند الجمهور وكان يقول لبنيه العشرة : من أسلم منكم منعته رفدي { مُعْتَدٍ } مجاوز في الظلم حده { أَثِيمٍ } كثير الآثام { عُتُلٍ } غليظ جاف { بَعْدَ ذَلِكَ } بعدما عد له من المثالب { زَنِيمٍ } دعي . وكان الوليد دعياً في قريش ليس من سنخهم ، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة من مولده . وقيل : بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية ، والنطفة إذا خبثت الناشىء منها . رُوي أنه دخل على أمه وقال : إن محمداً وصفني بعشر صفات ، وجدت تسعاً فيّ ، فأما الزنيم فلا علم لي به ، فإن أخبرتني بحقيقته وإلا ضربت عنقك . فقالت : إن أباك عنين وخفت أن يموت فيصل ماله إلى غير ولده فدعوت راعياً إلى نفسي فأنت من ذلك الراعي . { أَن كَانَ ذَا مَالٍ } متعلق بقوله { وَلاَ تُطِعِ } أي ولا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال أي ليساره وحظه من الدنيا ، ويجوز أن يتعلق بما بعده أي لأن كان ذا مال { وَبَنِينَ } كذب بآياتنا يدل عليه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا } أي القرآن { قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ولا يعمل فيه { قَالَ } لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله . { أأن } حمزة وأبو بكر أي ألأن كان ذا مال كذب ؟ { أأن } شامي ويزيد ويعقوب وسهل . قالوا : لما عاب الوليد النبي صلى الله عليه وسلم كاذباً باسم واحد وهو المجنون سماه الله تعالى بعشرة أسماء صادقاً ، فإن كان من عد له أن يجزي المسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة ، كان من فضله أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً { سَنَسِمُهُ } سنكويه { عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } على أنفه مهانة له وعلماً يعرف به ، وتخصيص الأنف بالذكر لأن الوسم عليه أبشع . وقيل : خطم بالسيف يوم بدر فبقيت سمة على خرطومه . { إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ } امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع حتى أكلوا الجيف والرمم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف " { كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } هم قوم من أهل الصلات كانت لأبيهم هذه الجنة بقرية يقال لها ضروان وكانت على فرسخين من صنعاء ، وكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي على الفقراء . فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خيفة من المساكين ولم يستثنوا في يمينهم ، فأحرق الله جنتهم . وقال الحسن : كانوا كفاراً . والجمهور على الأول { إِذْ أَقْسَمُواْ } حلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا } ليقطعن ثمرها { مُّصْبِحِينَ } داخلين في الصبح قبل انتشار الفقراء ، حال من فاعل { لَيَصْرِمُنَّهَا } { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } ولا يقولون إن شاء الله . وسمي استثناء وإن كان شرطاً صورة لأنه يؤدي مؤدي الاستثناء من حيث إن معنى قولك « لأخرجن إن شاء الله » و « لا أخرج إلا أن يشاء الله » واحد { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ } نزل عليها بلاء . قيل : أنزل الله تعالى عليها ناراً فأحرقتها { وَهُمْ نَائِمُونَ } أي في حال نومهم { فَأَصْبَحَتْ } فصارت الجنة { كَٱلصَّرِيمِ } كالليل المظلم أي احترقت فاسودت ، أو كالصبح أي صارت أرضاً بيضاء بلا شجر . وقيل : كالمصرومة أي كأنها صرمت لهلاك ثمرها .