Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 21-43)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } نادى بعضهم بعضاً عند الصباح { أَنِ ٱغْدُواْ } باكروا { عَلَىٰ حَرْثِكُمْ } ولم يقل « إلى حرثكم » لأن الغدوّ إليه ليصرموه كان غدوّاً عليه أو ضمن الغدوّ معنى الإقبال أي فأقبلوا على حرثكم باكرين { إِن كُنتُمْ صَـٰرِمِينَ } مريدين صرامه { فَٱنطَلَقُواْ } ذهبوا { وَهُمْ يَتَخَـٰفَتُونَ } يتسارّون فيما بينهم لئلا يسمعوا المساكين { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا } أي الجنة و « إن » مفسرة وقرىء بطرحها بإضمار القول أي يتخافتون يقولون لا يدخلنها { ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مّسْكِينٌ } والنهي عن دخول المساكين . نهى عن التمكين أي لا تمكنوه من الدخول . { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ } على جد في المنع { قَـٰدِرِينَ } عند أنفسكم على المنع كذا عن نفطويه ، أو الحرد القصد والسرعة أي وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وزي منفعتها عن منفعتها عن المساكين ، أو هو علم للجنة أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم . { فَلَمَّا رَأَوْهَا } أي جنتهم محترقة { قَالُواْ } في بديهة وصولهم { إِنَّا لَضَالُّونَ } أي ضللنا جنتنا وما هي بها لما رأوا من هلاكها ، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } أعدلهم وخيرهم { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ } هلا تستثنون إذ الاستثناء التسبيح لالتقائهما في معنى التعظيم لله ، لأن الاستثناء تفويض إليه والتسبيح تنزيه له ، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم . أو لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم ! كان أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك : اذكروا الله وانتقامه من المجرمين وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة فعصوه فعيرهم ولهذا { قَالُواْ سُبْحَـٰنَ رَبّنَا إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } فتكلموا بعد خراب البصرة بما كان يدعوهم إلى التكلم به أولاً ، وأقروا على أنفسهم بالظلم في منع المعروف وترك الاستثناء ونزهوه عن أن يكون ظالماً { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَـٰوَمُونَ } يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين ، ويحيل كل واحد منهم اللائمة على الآخر . ثم اعترفوا جميعاً بأنهم تجاوزوا الحد بقوله { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَـٰغِينَ } بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء { عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا } وبالتشديد : مدني وأبو عمرو { خَيْراً مّنْهَا } من هذه الجنة { إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا رٰغِبُونَ } طالبون منه الخير راجون لعفوه . عن مجاهد : تابوا فأبدلوا خيراً منها . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : بلغني أنهم أخلصوا فأبدلهم بها جنة تسمى الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } أي مثل ذلك العذاب الذي ذكرناه من عذاب الدنيا لمن سلك سبيلهم { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } أعظم منه { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لما فعلوا ما يفضي إلى هذا العذاب . ثم ذكر ما عنده للمؤمنين فقال : { إِنَّ لّلْمُتَّقِينَ } عن الشرك { عِندَ رَبِّهِمْ } أي في الآخرة { جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص بخلاف جنات الدنيا { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } استفهام إنكار على قولهم لو كان ما يقول محمد حقاً فنحن نعطي في الآخرة خيراً مما يعطي هو ومن معه كما في الدنيا . فقيل لهم : أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين ؟ ثم قيل لهم على طريقة الالتفات { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } هذا الحكم الأعوج وهو التسوية بين المطيع والعاصي ، كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم { أَمْ لَكُمْ كِتَـٰبٌ } من السماء { فِيهِ تَدْرُسُونَ } تقرؤون في ذلك الكتاب { إنّ لكم فيه لما تخيّرون } أي إن ما تختارونه وتشتهونه لكم . والأصل تدرسون أن لكم ما تخيرون بفتح « أن » لأنه مدروس لوقوع الدرس عليه ، وإنما كسرت لمجيء اللام ، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو كقوله : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ * سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ } [ الصافات : 78 - 79 ] . وتخير الشيء واختاره أخذ خيره { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا } عهود مؤكدة بالأيمان { بَـٰلِغَةٌ } نعت { أَيْمَـٰنٌ } ويتعلق { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ببالغة أي أنها تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحكيم ، أو بالمقدر في الظرف أي هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج من عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } به لأنفسكم وهو جواب القسم لأن معنى { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا } أم أقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد . { سَلْهُمْ } أي المشركين { أَيُّهُم بِذٰلِكَ } الحكم { زَعِيمٌ } كفيل بأنه يكون ذلك { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ } أي ناس يشاركونهم في هذا القول ويذهبون مذهبهم فيه { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ } في دعواهم يعني أن أحداً لا يسلم لهم هذا ولا يساعدهم عليه كما أنه لا كتاب لهم ينطق به ، ولا عهد به عند الله ، ولا زعيم لهم يضمن لهم من الله بهذا { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ناصب الظرف { فَلْيَأْتُواْ } أو « اذكر » مضمراً . والجمهور على أن الكشف عن الساق عبارة عن شدة الأمر وصعوبة الخطب ، فمعنى { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يوم يشتد الأمر ويصعب ولا كشف ثمة ولا ساق ، ولكن كنى به عن الشدة لأنهم إذا ابتلوا بشدة كشفوا عن الساق ، وهذا كما نقول : للأقطع الشحيح يده مغلولة ، ولا يد ثمة ولا غل ، وإنما هو كناية عن البخل . وأما من شبه فلضيق عطنه وقلة نظره في علم البيان ، ولو كان الأمر كما زعم المشبه لكان من حق الساق أن تعرف لأنها ساق معهودة عنده { وَيُدْعَوْنَ } أي الكفار ثمة { إِلَى ٱلسُّجُودِ } لا تكليف ولكن توبيخاً على تركهم السجود في الدنيا { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } ذلك لأن ظهورهم تصير كصياصي البقر لا تنثني عند الخفض والرفع { خَـٰشِعَةً } ذليلة حال من الضمير في { يُدْعَونَ } { أَبْصَـٰرُهُمْ } أي يدعون في حال خشوع أبصارهم { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } يغشاهم صغار { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ } على ألسن الرسل { إِلَى ٱلسُّجُودِ } في الدنيا { وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } أي وهم أصحاء فلا يسجدون فلذلك منعوا عن السجود ثَمَّ .