Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 44-52)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَذَرْنِى } . يقال : ذرني وإياه أي كله إليّ فإني أكفيكه { وَمَن يُكَذِّبُ } معطوف على المفعول أو مفعول معه { بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } بالقرآن ، والمراد كل أمره إليَّ وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به ، مطيق له ، ولا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه ، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد للمكذبين { سَنَسْتَدْرِجُهُم } سندنيهم من العذاب درجة درجة . يقال : استدرجه إلى كذا أي استنزله إليه درجة فدرجة حتى يورطه فيه ، واستدراج الله تعالى العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلون رزق الله ذريعة إلى ازياد المعاصي { مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج . قيل : كلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها . قال عليه السلام " إذا رأيت الله تعالى ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج وتلا الآية " { وَأُمْلِى لَهُمْ } وأمهلهم { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } قوي شديد فسمى إحسانه وتمكينه كيداً كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد حيث كان سبباً للهلاك . والأصل أن معنى الكيد والمكر والاستدراج هو الأخذ من جهة الأمن ، ولا يجوز أن يسمى الله كائداً وماكراً ومستدرجاً . { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ } على تبليغ الرسالة { أَجْراً فَهُم مّن مَّغْرَمٍ } غرامة { مُّثْقَلُونَ } فلا يؤمنون استفهام بمعنى النفي أي لست تطلب أجراً على تبليغ الوحي فيثقل عليهم ذلك فيمتنعوا لذلك { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } أي اللوح المحفوظ عند الجمهور { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } منه ما يحكمون به { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم لأنهم وإن أمهلوا لم يهملوا { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } كيونس عليه السلام في العجلة والغضب على القوم حتى لا تبتلى ببلائه . والوقف على الحوت لأن « إذ » ليس بظرف لما تقدمه ، إذ النداء طاعة فلا ينهى عنه بل مفعول محذوف أي اذكر { إِذْ نَادَىٰ } دعا ربه في بطن الحوت بـ { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] { وَهُوَ مَكْظُومٌ } مملوء غيظاً من كظم السقاء إذا { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ } رحمة { مّن رَّبِّهِ } أي لولا أن الله أنعم عليه بإجابة دعائه وقبول عذره { لَنُبِذَ } من بطن الحوت { بِٱلْعَرَآءِ } بالفضاء { وَهُوَ مَذْمُومٌ } معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غير مذموم { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } اصطفاه لدعائه وعذره { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } من المستكملين لصفات الصلاح ولم يبق له زلة . وقيل : من الأنبياء . وقيل : من المرسلين . والوجه هو الأول لأنه كان مرسلاً ونبياً قبله لقوله تعالى : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ الصافات : 139 - 140 ] . الآيات . { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـٰرِهِمْ } وبفتح الياء : مدني . « إن » مخففة من الثقيلة واللام علمها . زلقة وأزلقة أزاله عن مكانه أي قارب الكفار من شدة نظرهم إليك شزراً بعيون العداوة أن يزيلوك بأبصارهم عن مكانك ، أو يهلكوك لشدة حنقهم عليك . وكانت العين في بني أسد فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله إلا هلك . فأريد بعض العيّانين على أن يقول في رسول الله مثل ذلك فقال : لم أر كاليوم مثله رجلاً فعصمه الله من ذلك . وفي الحديث : " العين حق وإن العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر " وعن الحسن : رقية العين هذه الآية : { لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِكْرَ } القرآن { وَيَقُولُونَ } حسداً على ما أوتيت من النبوة { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } إن محمداً لمجنون حيرة في أمره وتنفيراً عنه { وَمَا هُوَ } أي القرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ } وعظ { لّلْعَـٰلَمِينَ } للجن والإنس يعني أنهم جننوه لأجل القرآن وما القرآن إلا موعظة للعالمين ، فكيف يجنن من جاء بمثله ؟ وقيل : لما سمعوا الذكر أي ذكره عليه السلام وما هو أي محمد عليه السلام إلا ذكر شرف للعالمين فكيف ينسب إليه الجنون ؟ والله أعلم .