Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 103-129)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم } الضمير للرسل في قوله { وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم } أو للأمم { مُّوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } بالمعجزات الواضحات { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا } فكفروا بآياتنا ، أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من وادٍ واحد { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] أو فظلموا الناس بسببها حين آذوا من آمن ، أو لأنه إذا وجب الإيمان بها فكفروا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلماً حيث وضعوا الكفر غير موضعه وهو موضع الإيمان { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } حيث صاروا مغرقين { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ } يقال لملوك مصر « الفراعنة » كما يقال لملوك فارس « الأكاسرة » ، وكأنه قال : يا ملك مصر واسمه قابوس أو الوليد بن مصعب بن الريان { إِنّى رَسُولٌ مّن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } إليك . قال فرعون : كذبت . فقال موسى : { حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } أي أنا حقيق على قول الحق أي واجب على قول الحق أن أكون قائله والقائم به . { حَقِيقٌ عَلَىَّ } نافع أي واجب عليّ ترك القول على الله إلا الحق أي الصدق ، وعلى هذه القراءة تقف على { ٱلْعَـٰلَمِينَ } وعلى الأول يجوز الوصل على جعل { حَقِيقٌ } وصف الرسول ، و « علي » بمعنى الباء كقراءة أبي أي إني رسول خليق بأن لا أقول ، أو يعلق « على » بمعنى الفعل في الرسول أي إني رسول حقيق جدير بالرسالة أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مِّن رَبُّكُـمْ } بما يبين رسالتي { فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } فخلهم يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم . وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي غلب فرعون على نسل الأسباط واستعبدهم فأنقذهم الله بموسى عليه السلام ، وكان بين اليوم الذي دخل يوسف عليه السلام مصر واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام { مَعِىَ } حفص { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـئَايَةٍ } من عند من أرسلك { فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } فأتني بها لتصح دعواك ويثبت صدقك فيها { فَأُلْقِىَ } موسى عليه السلام { عَصَـٰهُ } من يده { فَإِذَا هِىَ } { إِذَا } هذه للمفاجأة وهي من ظروف المكان بمنزلة « ثمة » و « هناك » { ثُعْبَانٌ } حية عظيمة { مُّبِينٌ } ظاهر أمره . روي أنه كان ذكراً فاغراً فاه بين لحييه ثمانون ذراعاً ، وضع لحيه الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ، ثم توجه نحو فرعون فهرب وأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك ، وحمل على الناس فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً قتل بعضهم بعضاً ، فصاح فرعون : يا موسى خذه وأنا أومن بك فأخذه موسى فعاد عصاً { وَنَزَعَ يَدَهُ } من جيبه { فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء لِلنَّـٰظِرِينَ } أي فإذا هي بيضاء للنظارة ، ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة يجمع الناس للنظر إليه . روي أنه أرى فرعون يده وقال : ما هذه ؟ فقال : يدك ثم أدخلها في جيبه ونزعها فإذا هي بيضاء غلب شعاعها شعاع الشمس ، وكان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة . { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ } عالم بالسحر ماهر فيه قد خيل إلى الناس العصاحية والآدم أبيض . وهذا الكلام قد عزي إلى فرعون في سورة « الشعراء » وأنه قال للملأ ، وهنا عزي إليهم فيحتمل أنه قد قاله هو وقالوه هم فحكي قوله ثمّة وقولهم هنا ، أو قاله ابتداء فتلقنه منه الملأ فقالوه لأعقابهم { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ } يعني مصر { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } تشيرون من آمرته فأمرني بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأي ، وهو من كلام فرعون قاله للملأ لما قالوا له { إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم } { قَالُواْ أَرْجِهْ } بسكون الهاء : عاصم وحمزة أي أخر واحبس أي أخر أمره ولا تعجل ، أو كأنه هم بقتله فقالوا : أخر قتله واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق { وَأَخَاهُ } هرون { وَأَرْسِلْ فِى ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } جامعين . { يَأْتُوكَ بِكُلّ سَـٰحِرٍ عَلِيمٍ } { سَحَّارٍ } : حمزة وعلي . أي يأتوك بكل ساحر عليم مثله في المهارة أو بخير منه { وَجَاء ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ } يريد فأرسل إليهم فحضروا { قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا } على الخبر وإثبات الأجر العظيم حجازي وحفص . ولم يقل « فقالوا » لأنه على تقدير سؤال سائل ما قالوا إذ جاءوه ؟ فأجيب بقوله { قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا } لجعلاً على الغلبة . والتنكير للتعظيم كأنهم قالوا لا بد لنا من أجر عظيم { إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ } إن لكم لأجراً { وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } عندي فتكونون أول من يدخل وآخر من يخرج ، وكانوا ثمانين ألفاً أو سبعين ألفاً أو بضعة وثلاثين ألفاً { قَالُواْ يا مُوسَىٰ إَمَا أَن تُلْقِىَ } عصاك { وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } لما معنا ، وفيه دلالة على أن رغبتهم في أن يلقوا قبله حيث أكد ضميرهم المتصل بالمنفصل وعرف الخبر { قَالَ } لهم موسى عليه السلام { أَلْقَوْاْ } تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه كما يفعل المتناظرون قبل أن يتحاوروا الجدال ، وقد سوغ لهم موسى ما رغبوا فيه ازدراء لشأنهم وقلة مبالاة بهم واعتماداً على أن المعجزة لن يغلبها سحر أبداً { فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } أروها بالحيل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه . روي أنهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً فإذا هي أمثال الحيات قد ملأت الأرض وركب بعضها بعضاً { وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ } وأرهبوهم إرهاباً شديداً كأنهم استدعوا رهوبتهم بالحيلة { وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } في باب السحر أو في عين من رآه . { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ } - تلقف - تبتلع { تَلْقَفْ } حفص { مَا يَأْفِكُونَ } « ما » موصولة أو مصدرية يعني ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزورونه ، أو إفكهم تسمية للمأفوك بالإفك . روي أنها لما تلقفت ملء الوادي من الخشب والحبال ورفعها موسى فرجعت عصاً كما كانت ، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة ، أو فرقها أجزاء لطيفة قالت السحرة : لو كان هذا سحراً لبقيت حبالنا وعصينا { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ } فحصل وثبت { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْلَمُونَ } من السحر { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ } أي فرعون وجنوده والسحرة { وَٱنقَلَبُواْ صَـٰغِرِينَ } وصاروا أذلاء مبهوتين { وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ } وخروا سجداً لله كأنما ألقاهم ملقٍ لشدة خرورهم ، أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا فكانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة { قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ رَبّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } هو بدل مما قبله { قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ } على الخبر : حفص . وهذا توبيخ منه لهم . وبهمزتين : كوفي غير حفص . فالأولى همزة الاستفهام ومعناه الإنكار والاستبعاد { قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ } قبل إذني لكم { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا } إن صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا إلى الصحراء لغرض لكم وهو { أن تَخْرُجُواْ مِن مّصْرَ القبط وتسكنوا بني إسرائيل } { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعيد أجمله ثم فصله بقوله : { لأَقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } من كل شق طرفاً { ثُمَّ لأَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } هو أول من قطع من خلاف وصلب { قَالُواْ إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } فلا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته ، أو إنا جميعاً يعنون أنفسهم وفرعون نقلب إلى الله فيحكم بيننا { وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا لَمَّا جَاءتْنَا } وما تعيب منا إلا الإيمان بآيات الله ، أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر وهو الإيمان ومنه قوله @ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي اصبب صباً ذريعاً . والمعنى هب لنا صبراً واسعاً وأكثره علينا حتى يفيض علينا ويغمرنا كما يفرغ الماء إفراغاً { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } ثابتين على الإسلام { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } أرض مصر بالاستعلاء فيها وتغيير دين أهلها لأنه وافق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفر { ويذرك وءالهتك } عطف على { لِيُفْسِدُواْ } قيل : صنع فرعون لقومه أصناماً وأمرهم أن يعبدوها تقرباً إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام ويقولون ليقربونا إلى الله زلفى ، ولذلك { قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] { قَالَ } فرعون مجيباً للملإ { سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـى نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ } { سَنُقَتّلُ } حجازي أي سنعيد عليهم قتل الأبناء ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا ، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي تحدث المنجمون بذهاب ملكنا على يده فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ } قال لهم ذلك حين جزعوا من قول فرعون سنقتل أبناءهم تسلية لهم ووعداً بالنصر عليهم { إِنَّ ٱلأَرْضَ } اللام للعهد أي أرض مصر أو للجنس فيتناول أرض مصر تناولاً أولياً { للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } فيه تنميته إياهم أرض مصر { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط . وأخليت هذه الجملة عن الواو لأنها جملة مستأنفة بخلاف قوله { وَقَالَ ٱلْمَلأُ } لأنها معطوفة على ما سبقها من قوله { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ } { قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى إلى أن استنبىء وإعادته عليهم بعد لك ، وذلك اشتكاء من فرعون واستبطاء لوعد النصر { قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل وكشف عنه وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفرانها ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم . وعن عمرو بن عبيد أنه دخل على المنصور قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان ، وطلب المنصور زيادة لعمرو فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية ، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال : قد بقي { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } .