Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 10-21)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ مَكَّنَّـٰكُمْ فِى ٱلأَرْضِ } جعلنا لكم فيها مكاناً وقراراً ، أو مكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ } جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما . والوجه تصريح الياء لأنها أصلية بخلاف صحائف فالياء فيها زائدة ، وعن نافع أنه همز تشبيهاً بصحائف { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } مثل { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الحاقة : 42 ] . { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } أي خلقنا أباكم آدم عليه السلام طيناً غير مصور ثم صورناه بعد ذلك دليله { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } ممن سجد لآدم عليه السلام { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } « ما » رفع أيْ أيّ شيء منعك من السجود ؟ « ولا » زائدة بدليل { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [ ص : 75 ] ومثلها { لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [ الحديد : 29 ] أي ليعلم { إِذْ أَمَرْتُكَ } فيه دليل على أن الأمر للوجوب ، والسؤال عن المانع من السجود مع علمه به للتوبيخ ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وتحقيره أصل آدم عليه السلام { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } وهي جوهر نوراني { وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } وهو ظلماني وقد أخطأ الخبيث بل الطين أفضل لرزانته ووقاره ومنه الحلم والحياء والصبر وذلك دعاه إلى التوبة والاستغفار ، وفي النار الطيش والحدة والترفع وذلك دعاه إلى الاستكبار . والتراب عمدة الممالك ، والنار عدة المهالك . والنار مظنة الخيانة والإفناء ، والتراب مئنة الأمانة والإنماء ، والطين يطفيء النار ويتلفها ، والنار لا تتلفه . وهذه فضائل غفل عنها إبليس حتى زل بفاسد من المقاييس . وقولنا في القياس أول من قاس إبليس قياس . على أن القياس عند مثبته مردود عند وجود النصوص وقياس إبليس عناد للأمر المنصوص . وكان الجواب لـ { مَا مَنَعَكَ } أن يقول « منعني كذا » وإنما قال { أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } لأنه قد استأنف قصة وأخبر فيها عن نفسه بالفضل على آدم عليه السلام وبعلة فضله عليه فعلم منها الجواب كأنه قال : منعني من السجود فضلي عليه ، وزيادة عليه وهي إنكار الأمر واستبعاد أن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله ، إذ سجود الفاضل للمفضول خارج عن الصواب { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا } من الجنة أو من السماء لأنه كان فيها وهي مكان المطيعين والمتواضعين . والفاء في { فَٱهْبِطْ } جواب لقوله { أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } أي إن كنت تتكبر فاهبط { فَمَا يَكُونُ لَكَ } فما يصح لك { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } وتعصي { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه ، يذمك كل إنسان ويلعنك كل لسان لتكبرك ، وبه علم أن الصغار لازم للاستكبار { قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أمهلني إلى يوم البعث وهو وقت النفخة الأخيرة { قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } إلى النفخة الأولى . وإنما أجيب إلى ذلك لما فيه من الابتلاء ، وفيه تقريب لقلوب الأحباب أي هذا بريء بمن يسيئني فكيف بمن يحبني وإنما جسره على السؤال مع وجود الزلل منه في الحال علمه بحلم ذي الجلال . { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } أضللتني أي فبسبب إغوائك إياي . والباء تتعلق بفعل القسم المحذوف تقديره فسبب إغوائك أقسم ، أو تكون الباء للقسم أي فأقسم بإغوائك { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } لأعترضن لهم على طريق الإسلام مترصداً للرد متعرضاً للصد كما يتعرض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة . وانتصابه على الظرف كقولك « ضرب زيد الظهر » أي على الظهر . وعن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل قدري فقال له طاوس : تقوم أو تقام . فقام الرجل فقيل له : أتقول هذا لرجل فقيه ؟ فقال : إبليس أفقه منه { قَالَ رَبّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } وهو يقول أنا أغوي نفسي . { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أشككهم في الآخرة { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أرغبهم في الدنيا { وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ } من قبل الحسنات { وَعَن شَمَائِلِهِمْ } من قبل السيئات وهو جمع شمال يعني ثم لآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي منها العدو في الأغلب . وعن شقيق : ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعة مراصد : من بين يدي فيقول لا تخف فإن الله غفور رحيم فاقرأ { وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } [ طه : 82 ] . ومن خلفي فيخوفني الضيعة على مخلفي فاقرأ { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] وعن يميني فيأتيني من قبل الثناء فاقرأ { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] وعن شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فاقرأ { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [ سبأ : 54 ] ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم لمكان الرحمة والسجدة ، وقال في الأولين « من » لابتداء الغاية وفي الأخيرين « عن » لأن « عن » تدل على الانحراف { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } مؤمنين قاله ظناً فأصاب لقوله { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [ سبأ : 20 ] أو سمعه من الملائكة بإخبار الله تعالى إياهم . { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا } من الجنة أو من السماء { مَذْءومًا } معيباً من ذأمه إذا ذمه والذأم والذم العيب { مَّدْحُورًا } مطروداً مبعداً من رحمة الله . واللام في { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } موطئة للقسم وجوابه { لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ } وهو ساد مسد جواب الشرط { مّنكُمْ } منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب { أَجْمَعِينَ وَيا ءَادَمَ } وقلنا يا آدم بعد إخراج إبليس من الجنة { ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } اتخذها مسكناً { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا } فتصيرا { مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } وسوس إذا تكلم كلاماً خفياً يكرره وهو غير متئد ، ورجل موسوس بكسر الواو ولا يقال موسوس بالفتح ولكن موسوس له وموسوس إليه وهو الذي يلقي إليه الوسوسة . ومعنى وسوس له فعل الوسوسة لأجله ووسوس إليه ألقاها إليه { لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءاتِهِمَا } ليكشف لهما ما ستر عنهما من عوراتهما . وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور ، وأنه لم يزل مستقبحاً في الطباع والعقول . فإن قلت : ما للواو المضمومة في { ووري } لم تقلب همزة كما في « أو يصل » تصغير واصل وأصله « وويصل » فقلبت الواو همزة كراهة لاجتماع الواوين ؟ قلت : لأن الثانية مدة كألف « وارى » فكما لم يجب همزها في « واعد » لم يجب في { وورى } وهذا لأن الواوين إذا تحركتا ظهر فيهما من الثقل ما لا يكون فيهما إذا كانت الثانية ساكنة ، وهذا مدرك بالضرورة فالتزموا إبدالها في موضع الثقل لا في غيره . وقرأ عبد الله { أورى } بالقلب { وَقَالَ مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } إلا كراهة أن تكونا ملكين تعلمان الخير والشر وتستغنيان عن الغذاء . وقرىء { مَلَكَيْنِ } لقوله { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين { وَقَاسَمَهُمَا } وأقسم لهما { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } وأخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه لما كان منه القسم ومنهما التصديق فكأنهما من اثنين .