Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 22-36)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَدَلَّـٰهُمَا } فنزلهما إلى الأكل من الشجرة { بِغُرُورٍ } بما غرهما به من القسم بالله وإنما يخدع المؤمن بالله . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : من خدعنا بالله انخدعنا له { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } وجدا طعمها آخذين في الأكل منها وهي السنبلة أو الكرم { بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا } ظهرت لهما عوراتهما لتهافت اللباس عنهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر . وقيل : كان لباسهما من جنس الأظفار أي كالظفر بياضاً في غاية اللطف واللين فبقي عند الأظفار تذكيراً للنعم وتجديداً للندم { وَطَفِقَا } وجعلا يقال طفق يفعل كذا أي جعل { يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } يجعلان على عورتهما من ورق التين أو الموز ورقة فوق ورقة ليستترا بها كما تخصف النعل . { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } هذا عتاب من الله وتنبيه على الخطأ . وروي أنه قال لآدم عليه السلام : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ؟ فقال : بلى ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا بكد يمين وعرق جبين ، فأهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذرى وطحن وعجن وخبز { وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } فيه دليل لنا على المعتزلة لأن الصغائر عندهم مغفورة { قَالَ ٱهْبِطُواْ } الخطاب لآدم وحواء بلفظ الجمع لأن إبليس هبط من قبل ، ويحتمل أنه هبط إلى السماء ثم هبطوا جميعاً إلى الأرض { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } في موضع الحال أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } استقرار أو موضع استقرار { وَمَتَـٰعٌ } وانتفاع بعيش { إِلَىٰ حِينٍ } إلى انقضاء آجالكم . وعن ثابت البناني : لما أهبط آدم عليه السلام وحضرته الوفاة وأحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها : خلي ملائكة ربي فإنما أصابني ما أصابني فيك . فلما توفي غسلته الملائكة بماء وسدر وتراً وحنطته وكفنته في وتر من الثياب وحفروا له قبراً ودفنوه بسرنديب بأرض الهند وقالوا لبنيه : هذه سنتكم بعده { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ } في الأرض { وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } للثواب والعقاب { تُخْرَجُونَ } حمزة وعلي { يابَنِي ءادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } جعل ما في الأرض منزلاً من السماء لأن أصله من الماء وهو منها { يُوٰرِى سَوْءاتِكُمْ } يستر عوراتكم { وَرِيشًا } لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين : لباساً يواري سوءاتكم ولباساً يزينكم { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } ولباس الورع الذي يقي العقاب وهو مبتدأ وخبره الجملة وهي { ذٰلِكَ خَيْرٌ } كأنه قيل : ولباس التقوى هو خير لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر ، أو { ذٰلِكَ } صفة للمبتدأ و { خَيْرٌ } خبر المبتدأ كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير ، أو { لِبَاسَ ٱلتَّقْوَىٰ } خبر مبتدأ محذوف أي وهو لباس التقوى أي ستر العورة لباس المتقين ، ثم قال { ذٰلِكَ خَيْرٌ } وقيل : ولباس أهل التقوى من الصوف والخشن . { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } مدني وشامي وعلي عطفا على { لِبَاساً } أي وأنزلنا عليكم لباس التقوى { ذٰلِكَ مِنْ ءايَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على فضله ورحمته على عباده يعني إنزال اللباس { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فيعرفوا عظيم النعمة فيه ، وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليها إظهاراً للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العري من الفضيحة وإشعاراً بأن التستر من التقوى . { يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ } لا يخدعنكم ولا يضلنكم بأن لا تدخلوا الجنة كما فتن أبويكم بأن أخرجهما منها { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } حال أي أخرجهما نازعاً لباسهما بأن كان سبباً في أن نزع عنهما . والنهي في الظاهر للشيطان وفي المعنى لبني آدم أي لا تتبعوا الشيطان فيفتنكم { لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا } عوراتهما { إِنَّهُ } الضمير للشأن والحديث { يَرَاكُمْ هُوَ } تعديل للنهي وتحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدو المداجي يكيدكم من حيث لا تشعرون { وَقَبِيلُهُ } وذريته أو وجنوده من الشياطين وهو عطف على الضمير في { يَرَاكُمْ } المؤكد بـ { هُوَ } ، ولم يعطف عليه لأن معمول الفعل هو المستكن دون هذا البارز وإنما يعطف على ما هو معمول الفعل { مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } قال ذو النون : إن كان هو يراك من حيث لا تراه فاستعن بمن يراه من حيث لا يراه وهو الله الكريم الستار الرحيم الغفار . { إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } فيه دلالة خلق الأفعال { وَإِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } ما يبالغ في قبحه من الذنوب وهو طوافهم بالبيت عراة وشركهم { قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } أي إذا فعلوها اعتذروا بأن آبائهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم ، وبأن الله أمرهم بأن يفعلوها حيث أقرنا عليها إذا لو كرهها لنقلنا عنها وهما باطلان ، لأن أحدهما تقليد للجهال والثاني افتراء على ذي الجلال { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء } إذ المأمور به لا بد أن يكون حسناً وإن كان فيه على مراتب على ما عرف في أصول الفقه { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } استفهام إنكار وتوبيخ { قُلْ أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ } بالعدل وبما هو حسن عند كل عاقل فكيف يأمر بالفحشاء { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } وقل أقيموا وجوهكم أي اقصدوا عبادته مستقيمين إليها غير عادلين إلى غيرها في كل وقت سجود أو في كل مكان سجود { وَٱدْعُوهُ } واعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } أي الطاعة مبتغين بها وجهه خالصاً { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } كما أنشأكم ابتداء يعيدكم ، احتج عليه في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق ، والمعنى أنه يعيدكم فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة { فَرِيقًا هَدَىٰ } وهم المسلمون { وَفَرِيقًا } أي أضل فريقاً { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ } وهم الكافرون { إِنَّهُمُ } إن الفريق الذين حق عليهم الضلالة { ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أنصاراً { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } والآية حجة لنا على أهل الاعتزال في الهداية والإضلال . { يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ } لباس زينتكم { عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } كلما صليتم . وقيل : الزينة المشط والطيب ، والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئاته للصلاة لأن الصلاة مناجاة الرب فيستحب لها التزين والتعطر كما يجب التستر والتطهر { وَكُلُواْ } من اللحم والدسم { وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ } بالشروع في الحرام أو في مجاوزة الشبع { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما شئت ، واشرب ما شئت ، والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة . وكان للرشيد طبيب حاذق فقال لعليّ بن الحسين بن واقد : ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان : علم الأبدان وعلم الأديان . فقال له عليّ : قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ } فقال النصراني : ولم يرو عن رسولكم شيء في الطب فقال : قد جمع رسولنا الطب في ألفاظ يسيرة وهي قوله عليه السلام " المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته " فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً . ثم استفهم إنكاراً على محرم الحلال بقوله . { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } من الثياب وكل ما يتجمل به { ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } أي أصلها يعني القطن من الأرض والقز من الدود { وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ } والمستلذات من المآكل والمشارب . وقيل : كانوا إذا أحرموا حرموا الشاة وما يخرج منها من لحمها وشحمها ولبنها { قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِيٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها { خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لا يشركهم فيها أحد . ولم يقل للذين آمنوا ولغيرهم لينبه على أنها خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة والكفار تبع لهم . { خَالِصَةٌ } بالرفع : نافع فـ { هِىَ } مبتدأ خبره { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } و { فِيٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } ظرف للخبر ، أو { خَالِصَةٌ } خبر ثانٍ أو خبر مبتدأ محذوف أي هي خالصة ، وغيره نصبها على الحال من الضمير الذي في الظرف الذي هو الخبر أي هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها يوم القيامة { كَذٰلِكَ نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } نميز الحلال من الحرام { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أنه لا شريك له . { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ } { رَبّي } حمزة { ٱلْفَوٰحِشَ } ما تفاحش قبحه أي تزايد { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } سرها وعلانيتها { وَٱلإِثْمَ } أي شرب الخمر أو كل ذنب { وَٱلْبَغْيَ } والظلم والكبر { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } متعلق بالبغي . ومحل { وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } حجة النصب كأنه قال حرم الفواحش وحرم الشرك { يُنَزّلٍ } بالتخفيف : مكي وبصري ، وفيه تهكم إذ لا يجوز أن ينزل برهاناً على أن يشرك به غيره { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وأن تتقولوا عليه وتفتروا الكذب من التحريم وغيره { وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } وقت معين يأتيهم فيه عذاب الاستئصال إن لم يؤمنوا ، وهو وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } قيد بساعة لأنها أقل ما يستعمل في الإمهال { يَـٰبَنِى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } هي « إن » الشرطية ضمت إليها « ما » مؤكدة لمعنى الشرط ، لأن « ما » للشرط ولذا لزمت فعلها النون الثقيلة أو الخفيفة { رُسُلٌ مّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِى } يقرءون عليكم كتبي وهو في موضع رفع صفة لـ { رُسُلُ } وجواب الشرط { فَمَنِ ٱتَّقَىٰ } الشرك { وَأَصْلَحَ } العمل منكم { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أصلاً { فَلاَ خَوْفٌ } يعقوب { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ } منكم { بِـئَايَـٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا } تعظموا عن الايمان بها { أُولَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } .