Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 170-179)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } { يُمَسّكُونَ } أبو بكر والإمساك والتمسيك والتمسك الاعتصام والتعلق بشيء { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } خص الصلاة مع أن التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة لأنها عماد الدين و { ٱلَّذِينَ } مبتدأ والخبر { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } أي إنا لا نضيع أجرهم . وجاز أن يكون مجروراً عطفاً على { ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } و { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } اعتراض { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } واذكروا إذا قلعناه ورفعناه كقوله { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } [ البقرة : 63 ] { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } هي كل ما أظلك من سقيفة أو سحاب { وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } وعلموا أنه ساقط عليهم ، وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخاً في فرسخ . وقيل لهم : إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم . فلما نظروا إلى الجبل خر كل رجل منهم ساجداً على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من سقوطه ، فلذلك لا ترى يهودياً يسجد على حاجبه الأيسر ويقولون هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة ، وقلنا لهم { خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـٰكُم } من الكتاب { بِقُوَّةٍ } وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } من الأوامر والنواهي ولا تنسوه { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ما أنتم عليه . { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ } أي واذكروا إذ أخذ { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل من { بَنِى ءادَمَ } والتقدير : وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم { ذُرّيَّتُهُم } ومعنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم إخراجهم من أصلاب آبائهم { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَا } هذا من باب التمثيل ، ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الهدى والضلالة ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم : ألست بربكم ؟ وكأنهم قالوا : بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك { أَن تَقُولُواْ } مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن يقولوا { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَـٰفِلِينَ } لم ننبه عليه { أَوْ تَقُولُواْ } أو كراهة أن يقولوا { إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرّيَّةً مّن بَعْدِهِمْ } فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم فلا عذر لهم في الإعراض عنه والاقتداء بالآباء ، كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتركه سنة لنا { وَكَذٰلِكَ } ومثل ذلك التفصيل البليغ { نُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ } لهم { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن شركهم نفصلها . إلى هذا ذهب المحققون من أهل التفسير ، منهم الشيخ أبو منصور والزجاج والزمخشري ، وذهب جمهور المفسرين إلى أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهر آدم مثل الذر وأخذ عليهم الميثاق أنه ربهم بقوله { أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ } فأجابوه بـ { بَلَىٰ } . قالوا : وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أخرج الله من ظهر آدم ذريته وأراه أياهم كهيئة الذر وأعطاهم العقل وقال : هؤلاء ولدك آخذ عليهم الميثاق أن يعبدوني . قيل : كان ذلك قبل دخول الجنة بين مكة والطائف . وقيل : بعد النزول من الجنة . وقيل : في الجنة . والحجة للأولين أنه قال { مِن بَنِى ءادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } ولم يقل من ظهر آدم ، ولأنا لا نتذكر ذلك فأنى يصير حجة . { ذرياتهم } مدني وبصري وشامي { أَن تَقُولُواْ } { أَوْ تَقُولُواْ } : أبو عمرو . { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } على اليهود { نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا } هو عالم من علماء بني إسرائيل وقيل : هو بلعم بن باعوراء أوتي علم بعض كتب الله { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } فخرج من الآيات بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } فلحقه الشيطان وأدركه وصار قريناً له { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } فصار من الضالين الكافرين . روي أن قومه طلبوا منه أن يدعو على موسى ومن معه فأبى فلم يزالوا به حتى فعل وكان عنده اسم الله الأعظم . { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ } إلى منازل الأبرار من العلماء { بِهَا } بتلك الآيات { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } مال إلى الدنيا ورغب فيها { وَٱتَّبِعْ هَوَاهُ } في إيثار الدنيا ولذاتها على الآخرة ونعيمها { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ } أي تزجره وتطرده { يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ } غير مطرود { يَلْهَثْ } والمعنى فصفته التي هي مثل في الخسة والضعة كصفة الكلب في أخس أحواله وأذلها وهي حال دوام اللهث به ، سواء حمل عليه أي شد عليه وهيج فطرد ، أو ترك غير متعرض له بالحمل عليه ، وذلك أن سائر الحيوان لا يكون منه اللهث إلا إذا حرك ، أما الكلب فيلهث في الحالين فكان مقتضى الكلام أن يقال : ولكنه أخلد إلى الأرض فحططناه ووضعناه منزلته ، فوضع هذا التمثيل موضع فحططناه أبلغ حط . ومحل الجملة الشرطية النصب على الحال كأنه قيل : كمثل الكلب ذليلاً دائم الذلة لاهثاً في الحالين . وقيل : لما دعا بلعم على موسى خرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كما يلهث الكلب . وقيل : معناه هو ضال وعظ أو ترك . وعن عطاء : من علم ولم يعمل فهو كالكلب ينبح إن طرد أو ترك { ذٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَـٰتِنَا } من اليهود بعد أن قرءوا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة وذكر القرآن المعجز وما فيه وبشروا الناس باقتراب مبعثه { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ } أي قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا نحو سيرته { سَاء مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } هي مثل القوم فحذف المضاف ، وفاعل { سَاء } مضمر أي ساء المثل مثلاً . وانتصاب { مَثَلاً } على التمييز { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } معطوف على { كَذَّبُواْ } فيدخل في حيز الصلة أي الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم ، أو منقطع عن الصلة أي وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب ، وتقديم المفعول به للاختصاص أي وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعد إلى غيرها { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى } حمل على اللفظ { وَمَن يُضْلِلِ } أي ومن يضلله { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } حمل على المعنى ، ولو كان الهدي من الله البيان كما قالت المعتزلة ، لاستوى الكافر والمؤمن إذ البيان ثابت في حق الفريقين فدل أنه من الله تعالى التوفيق والعصمة والمعونة ، ولو كان ذلك للكافر لاهتدى كما اهتدى المؤمن . { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ } هم الكفار من الفريقين المعروضون عن تدبر آيات الله ، والله تعالى علم منهم اختيار الكفر فشاء منهم الكفر وخلق فيهم ذلك وجعل مصيرهم جهنم لذلك . ولا تنافي بين هذا وبين قوله { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] لأنه إنما خلق منهم للعبادة من علم أنه يعبده ، وأما من علم أنه يكفر به فإنما خلقه لما علم أنه يكون منه . فالحاصل أن من علم منه في الأزل أنه يكون منه العبادة خلقه للعبادة ، ومن علم منه أن يكون منه الكفر خلقه لذلك ، وكم من عامٍ يراد به الخصوص وقول المعتزلة بأن هذه لام العاقبة أي لما كان عاقبتهم جهنم جعل كأنهم خلقوا لها فراراً عن إرادة المعاصي عدول عن الظاهر { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } الحق ولا يتفكرون فيه { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } الرشد { وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا } الوعظ { أُوْلَـئِكَ كَٱلأَنْعَـٰمِ } في عدم الفقه والنظر الاعتبار والاستماع للتفكر { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام لأنهم كابروا العقول وعاندوا الرسول وارتكبوا الفضول ، فالأنعام تطلب منافعها وتهرب عن مضارها وهم لا يعلمون مضارهم حيث اختاروا النار ، وكيف يستوي المكلف المأمور والمخلى المعذور ؟ فالآدمي روحاني شهواني سماوي أرضي ، فإن غلب روحه هواه فاق ملائكة السماوات ، وإن غلب هواه روحه فاقته بهائم الأرض { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ } الكاملون في الغفلة .