Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 14-20)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَوْمَ } منصوب بما في { لَدَيْنَا } من معنى الفعل أي استقر للكفار لدينا كذا وكذا يوم { تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } أي تتحرك حركة شديدة { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً } رملاً مجتمعاً من كثب الشيء إذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول { مَّهِيلاً } سائلاً بعد اجتماعه { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ } يا أهل مكة { رَسُولاً } يعني محمداً عليه السلام { شَـٰهِداً عَلَيْكُمْ } يشهد عليكم يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } يعني موسى عليه السلام { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } أي ذلك الرسول « إذ » النكرة وإذا أعيدت معرفة كان الثاني عين الأول { فَأَخَذْنَـٰهُ أَخْذاً وَبِيلاً } شديداً غليظاً . وإنما خص موسى وفرعون لأن خبرهما كان منتشراً بين أهل مكة لأنهم كانوا جيران اليهود { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً } هو مفعول { تَتَّقُونَ } أي كيف تتقون عذاب يوم كذا إن كفرتم ؟ أو ظرف أي فكيف لكم التقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا ؟ أو منصوب بـ { كَفَرْتُمْ } على تأويل جحدتم أي كيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه { يَجْعَلُ ٱلْوِلْدٰنَ } صفة لـ { يَوْماً } والعائد محذوف أي فيه { شِيباً } من هوله وشدته وذلك حين يقال لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ذريتك وهو جمع أشيب . وقيل : هو على التمثيل للتهويل يقال لليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال . { السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } وصف لليوم بالشدة أيضاً أي السماء على عظمها وإحكامها تنفطر به أي تنشق فما ظنك بغيرها من الخلائق ؟ والتذكير على تأويل السماء بالسقف أو السماء شيء منفطر ، وقوله { بِهِ } أي بيوم القيامة يعني أنها تنفطر لشدة ذلك اليوم وهوله كما ينفطر الشيء بما يفطر به { كَانَ وَعْدُهُ } المصدر مضاف إلى المفعول وهو اليوم ، أو إلى الفاعل وهو الله عز وجل { مَفْعُولاً } كائناً { إِنَّ هَـٰذِهِ } الآيات الناطقة بالوعيد { تَذْكِرَةٌ } موعظة { فَمَن شَاءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } أي فمن شاء اتعظ بها واتخذ سبيلاً إلى الله بالتقوى والخشية . { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ } أقل فاستعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز ، وإذا بعدت كثر ذلك { مِن ثُلُثَىِ ٱلَّيْلِ } بضم اللام : سوى هشام { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } منصوبان عطف على { أدنى } مكي وكوفي ، ومن جرهما عطف على { مِن ثُلُثَىِ } { وَطَائِفَةٌ } عطف على الضمير في { تَقُومُ } وجاز بلا توكيد لوجود الفاصل { مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } أي ويقوم ذلك المقدار جماعة من أصحابك { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي ولا يقدر على تقدير الليل والنهار ولا يعلم مقادير ساعاتهما إلا الله وحده . وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنياً عليه { يقدر } هو الدال على أنه مختص بالتقدير ، ثم إنهم قاموا حتى انتفخت أقدامهم فنزل { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } لن تطيقوا قيامه على هذه المقادير إلا بشدة ومشقة وفي ذلك حرج { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } فخفف عليكم وأسقط عنكم فرض قيام الليل { فَٱقْرَءُواْ } في الصلاة والأمر للوجوب أو في غيرها والأمر للندب { مَا تَيَسَّرَ } عليكم { مِنَ ٱلْقُرْءَانِ } روى أبو حنيفة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : من قرأ مائة آية في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين . وقيل : أراد بالقرآن الصلاة لأنه بعض أركانها أي فصلوا ما تيسر عليكم ولم يتعذر من صلاة الليل وهذا ناسخ للأول ، ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس ، ثم بين الحكمة في النسخ وهي تعذر القيام على المرضى والمسافرين والمجاهدين فقال { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ } أي أنه مخففة من الثقيلة والسين بدل من تخفيفها وحذف اسمها { مَّرْضَى } فيشق عليهم قيام الليل . { وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ } يسافرون { يَبْتَغُونَ } حال من ضمير { يَضْرِبُونَ } { مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } رزقه بالتجارة أو طلب العلم { وَءاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } سوّى بين المجاهد والمكتسب لأن كسب الحلال جهاد . قال ابن مسعود رضي الله عنه : أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء . وقال ابن عمر رضي الله عنهما : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إليّ من أن أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } كرر الأمر بالتيسير لشدة احتياطهم { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } المفروضة { وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ } الواجبة { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ } بالنوافل . والقرض لغة : القطع فالمقرض يقطع ذلك القدر من ماله فيدفعه إلى غيره ، وكذا المتصدق يقطع ذلك القدر من ماله فيجعله لله تعالى ، وإنما أضافه إلى نفسه لئلا يمن على الفقير فيما تصدق به عليه وهذا لأن الفقير معاون له في تلك القربة فلا يكون له عليه منة بل المنة للفقير عليه { قَرْضًا حَسَنًا } من الحلال بالاخلاص { وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ } أي ثوابه وهو جزاء الشرط { عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً } مما خلفتم وتركتم فالمفعول الثاني لـ { تَجِدُوهُ } { خيراً } و { هُوَ } فصل . وجاز وإن لم يقع بين معرفتين لأن أفعل من أشبه المعرفة لامتناعه من حرف التعريف { وَأَعْظَمَ أَجْراً } وأجزل ثواباً { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ } من السيئات والتقصير في الحسنات { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يستر على أهل الذنب والتقصير { رَّحِيمٌ } يخفف عن أهل الجهد والتوفيق وهو على ما يشاء قدير ، والله أعلم .