Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-25)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مكية وهي ست وخمسون آية بسم الله الرحمٰن الرحيم روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كنت على جبل حراء : فنوديت يا محمد إنك رسول الله . فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئاً ، فنظرت إلى فوقي فإذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت : دثروني دثروني " فدثرته خديجة فجاء جبريل وقرأ { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } أي المتلفف بثيابه من الدثار وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار . والشعار : الثوب الذي يلي الجسد وأصله المتدثر فأدغم { قُمْ } من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم { فَأَنذِرْ } فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا ، أو فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد . وقيل : سمع من قريش ما كرهه فاغتم فتغطى بثوبه مفكراً كما يفعل المغموم فقيل له : يا أيها الصارف أذى الكفار عن نفسك بالدثار ، قم فاشتغل بالأنذار وإن آذاك الفجار { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } واختص ربك بالتكبير وهو التعظيم أي لا يكبر في عينك غيره وقل عندما يعروك من غير الله : الله أكبر . ورُوي أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أكبر " فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي ، وقد يحمل على تكبير الصلاة . ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تدع تكبيره . { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } بالماء من النجاسة لأن الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى في غير الصلاة ، أو فقصر مخالفة للعرب في تطويلهم الثياب وجرّهم الذيول إذ لا يؤمن معه إصابة النجاسة ، أو طهر نفسك مما يستقذر من الأفعال يقال : فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ، وفلان دنس الثياب للغادر ولأن من طهر باطنه يطهر ظاهره ظاهراً { وَٱلرُّجْزَ } بضم الراء : يعقوب وسهل وحفص ، وغيرهم بالكسر العذاب والمراد ما يؤدي إليه { فَٱهْجُرْ } أي أثبت على هجره لأنه كان بريئاً منه { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } بالرفع وهو منصوب المحل على الحال أي لا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً أو طالباً أكثر مما أعطيت فإنك مأمور بأجلّ الأخلاق وأشرف الآداب ، وهو من منّ عليه إذا أنعم عليه . وقرأ الحسن { تَسْتَكْثِرُ } بالسكون جواباً للنهي { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } ولوجه الله فاستعمل الصبر على أوامره ونواهيه وكل مصبور عليه ومصبور عنه { فَإِذَا نُقِرَ فِى ٱلنَّاقُورِ } نفخ في الصور وهي النفخة الأولى وقيل الثانية { فَذَٰلِكَ } إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ { يَوْمَئِذٍ } مرفوع المحل بدل من { ذٰلِكَ } { يَوْمٌ عَسِيرٌ } خبر كأنه قيل : فيوم النقر يوم عسير . والفاء في { فَإِذَا } للتسبيب وفي { فَذَلِكَ } للجزاء كأنه قيل : اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه . والعامل في { فَإِذَا } ما دل عليه الجزاء أي فإذا نقر في الناقور عسر الأمر { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ } وأكد بقوله { غَيْرُ يَسِيرٍ } ليؤذن بأنه يسير على المؤمنين أو عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا . { ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ } أي كله إليّ يعني الوليد بن المغيرة وكان يلقب في قومه بالوحيد و { مِنْ خلقت } معطوف أو مفعول معه { وَحِيداً } حال من الياء في { ذَرْنِى } أي ذرني وحدي معه فإني أكفيك أمره ، أو من التاء في { خلقت } أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد ، أو من الهاء المحذوفة ، أو من أي خلقته منفرداً بلا أهل ولا مال ثم أنعمت عليه { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } مبسوطاً كثيراً أو ممدوداً بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة . وعن مجاهد : كان له مائة ألف دينار . وعنه أن له أرضاً بالطائف لا ينقطع ثمرها { وَبَنِينَ شُهُوداً } حضوراً معه بمكة لغناهم عن السفر وكانوا عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } وبسطت له الجاه والرياسة فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه فيرجو أن أزيد في ماله وولده من غير شكر . وقال الحسن : أن أزيد أن أدخله الجنة فأوتيه مالاً وولداً كما قال { لأوتين مالاً وولداً } { كَلاَّ } [ مريم : 77 ] ردع له وقطع لرجائه أي لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم ، فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه حتى هلك { إِنَّهُ كان لآيَـٰتِنَا } للقرآن { عَنِيداً } معانداً جاحداً وهو تعليل للردع على وجه الاستئناف كأن قائلاً قال : لم لا يزاد ؟ فقيل : إنه جحد آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والكافر لا يستحق المزيد { سَأُرْهِقُهُ } سأغشيه { صَعُوداً } عقبة شاقة المصعد وفي الحديث " الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبد " { إِنَّهُ فَكَّرَ } تعليل للوعيد كأن الله تعالى عاجله بالفقر والذل بعد الغنى والعز لعناده ، ويعاقبه في الآخرة بأشد العذاب لبلوغه بالعناد غايته ، وتسميته القرآن سحراً يعني أنه فكر ماذا يقول في القرآن { وَقَدَّرَ } في نفسه ما يقوله وهيأه . { فَقُتِلَ } لعن { كَيْفَ قَدَّرَ } تعجيب من تقديره { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } كرر للتأكيد و « ثم » يشعر بأن الدعاء الثاني أبلغ من الأول { ثُمَّ نَظَرَ } في وجوه الناس أو فيما قدر { ثُمَّ عَبَسَ } قطب وجهه { وَبَسَرَ } زاد في التقبض والكلوح { ثُمَّ أَدْبَرَ } عن الحق { وَٱسْتَكْبَرَ } عنه أو عن مقامه وفي مقاله . و { ثُمَّ نَظَرَ } عطف على { فَكَّرَ وَقَدَّرَ } والدعاء اعتراض بينهما ، وإيراد « ثم » في المعطوفات لبيان أن بين الأفعال المعطوفة تراحياً { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَا } ما هذا { إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } يروى عن السحرة . رُوي أن الوليد قال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو وما يعلى . فقالت قريش : صبأ والله الوليد . فقال أبو جهل وهو ابن أخيه : أنا أكفيكموه ، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام الوليد ، فأتاهم فقال : تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق ؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن ؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط ؟ وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب ؟ فقالوا في كل ذلك : اللهم لا . ثم قالوا : فما هو ؟ ففكر فقال : ما هو إلا ساحر ، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ؟ وما الذي يقوله إلا سحر يؤثر عن مسيلمة وأهل بابل ، فارتج النادي فرحاً وتفرقوا متعجبين منه . وذكر الفاء دليل على أن هذه الكلمة لما خطرت بباله نطق بها من غير تلبث { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } ولم يذكر العاطف بين هاتين الجملتين لأن الثانية جرت مجرى التوكيد للأولى .