Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 26-56)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَأُصْلِيهِ } سأدخله بدل من { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } { سَقَرَ } علم لجهنم ولم ينصرف للتعريف والتأنيث { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } تهويل لشأنها { لاَ تُبْقِى } أي هي لا تبقى لحماً { وَلاَ تَذَرُ } عظماً أو لا تبقى شيئاً يبقى فيها إلا أهلكته ولا تذره هالكاً بل يعود كما كان { لَوَّاحَةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هي لواحة { لِّلْبَشَرِ } جمع بشرة وهي ظاهرة الجلد أي مسوّدة للجلود ومحرقة لها { عَلَيْهَا } على سقر { تِسْعَةَ عَشَرَ } أي يلي أمرها تسعة عشر ملكاً عند الجمهور . وقيل : صنفاً من الملائكة . وقيل : صفاً . وقيل : نقيباً { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } أي خزنتها { إِلاَّ مَلَـٰئِكَةً } لأنهم خلاف جنس المعذبين فلا تأخذهم الرأفة والرقة لأنهم أشد الخلق بأساً فللواحد منهم قوة الثقلين . { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ } تسعة عشر { إِلاَّ فِتْنَةً } أي ابتلاء واختبار { لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } حتى قال أبو جهل : لما نزلت { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } أما يستطيع كل عشر منكم أن يأخذوا واحداً منهم وأنتم الدهم ، فقال أبو الأشد وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فنزلت { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَـٰئِكَةً } أي وما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون . وقالوا : في تخصيص الخزنة بهذا العدد مع أنه لا يطلب في الأعداد العلل أن ستة منهم يقودون الكفرة إلى النار ، وستة يسوقونهم ، وستة يضربونهم بمقامع الحديد ، والآخر خازن جهنم وهو مالك وهو الأكبر . وقيل : في سقر تسعة عشر دركاً وقد سلط على كل درك ملك . وقيل : يعذب فيها بتسعة عشر لوناً من العذاب وعلى كل لون ملك موكل . وقيل : إن جهنم تحفظ بما تحفظ به الأرض من الجبال وهي تسعة عشر وإن كان أصلها مائة وتسعين إلا أن غيرها يشعب عنها { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } بمحمد وهو عطف على { لِيَسْتَيْقِنَ } { إِيمَـٰناً } لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل ، أو يزدادوا يقيناً لموافقة كتابهم كتاب أولئك { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } هذا عطف أيضاً ، وفيه توكيد للاستيقان وزيادة الإيمان إذ الاستيقان وازدياد الإيمان دالان على انتفاء الارتياب . ثم عطف على { لِيَسْتَيْقِنَ } أيضاً . { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } نفاق { وَٱلْكَـٰفِرُونَ } المشركون فإن قلت : النفاق ظهر في المدينة والسورة مكية . قلت : معناه وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة { مَاذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } وهذا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية . وقيل : المراد بالمرض الشك والارتياب لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين . و { مَثَلاً } تمييز لهذا أو حال منه كقوله : { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً } [ الأعراف : 73 ] [ هود : 64 ] ولما كان ذكر العدد في غاية الغرابة وأن مثله حقيق بأن تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمي مثلاً ، والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب ، وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين ، وغرضهم إنكاره أصلاً وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاء } الكاف نصب و « ذلك » إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يعني إضلال المنافقين والمشركين حتى قالوا ما قالوا ، وهدي المؤمنين بتصديقه ، ورؤية الحكمة في ذلك يضل الله من يشاء من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال { وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ } وهو الذي علم منه اختيار الاهتداء ، وفيه دليل خلق الأفعال ووصف الله بالهداية والإضلال . لما قال أبو جهل لعنه الله : أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر نزل { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ } لفرط كثرتها { إِلاَّ هُوَ } فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها { وَمَا هِىَ } متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي وما سقر وصفتها { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي تذكرة للبشر أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها . { كَلاَّ } إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون { وَٱلْقَمَرِ } أقسم به لعظم منافعه { وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف . وغيرهم { إِذَا دبرٍ } ودبر بمعنى أدبر ومعناهما ولى وذهب . وقيل : أدبر ولى ومضى ، ودبر جاء بعد النهار { وَٱلصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } أضاء وجواب القسم . { إِنَّهَا } إن سقر { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } هي جمع الكبرى أي لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر ، ومعنى كونها إحداهن أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها كما تقول : هو أحد الرجال وهي إحدى النساء { نَذِيراً } تمييز من { إِحْدَى } أي إنها لإحدى الدواهي إنذاراً كقولك : هي إحدى النساء عفافاً . وأبدل من { لّلْبَشَرِ * لِمَن شَاء مّنكُمْ } بإعادة الجار { أَن يَتَقَدَّمَ } إلى الخير { أَوْ يَتَأَخَّرَ } عنه . وعن الزجاج : إلى ما أمر وعما نهى . { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } هي ليست بتأنيث « رهين » في قوله { كُلُّ ٱمْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] لتأنيث النفس ، لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين ، لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن ، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك { إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } أي أطفال المسلمين لأنهم لا أعمال لهم يرهنون بها ، أو إلا المسلمين فإنهم فكوا رقابهم بالطاعة كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق { فِي جَنَّـٰتٍ } أي هم في جنات لا يكتنه وصفها { يَتَسَاءَلُونَ عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } يسأل بعضهم بعضاً عنهم أو يتساءلون غيرهم عنهم { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } أدخلكم فيها . ولا يقال لا يطابق قوله { مَا سَلَكَكُمْ } وهو سؤال للمجرمين قوله { يَتَسَاءلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } وهو سؤال عنهم ، وإنما يطابق ذلك لو قيل يتساءلون المجرمين ما سلككم ، لأن { مَا سَلَكَكُمْ } ليس ببيان للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسؤولين عنهم ، لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون : قلنا لهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ، إلا أنه اختصر كما هو نهج القرآن . وقيل : « عن » زائدة . { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } أي لم نعتقد فرضيتها { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } كما يطعم المسلمون { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ } الخوض : الشروع في الباطل . أي نقول الباطل والزور في آيات الله { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } الحساب والجزاء { حَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ } الموت { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ } من الملائكة والنبيين والصالحين لأنها للمؤمنين دون الكافرين . وفيه دليل ثبوت الشفاعة للمؤمنين في الحديث : " إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر " { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ } عن التذكير وهو العظة أي القرآن { مُعْرِضِينَ } مولين حال من الضمير نحو : مالك قائماً { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ } أي حمر الوحش حال من الضمير في { مُعْرِضِينَ } { مُّسْتَنفِرَةٌ } شديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها . وبفتح الفاء : مدني وشامي أي استنفرها غيرها { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } حال و « قد » معها مقدرة . والقسورة : الرماة أو الأسد فعولة من القسر وهو القهر والغلبة ، شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر بحمر جدت في نفارها . { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } قراطيس تنشر وتقرأ وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها : من رب العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر فيها باتباعك . ونحوه قوله : { لَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] وقيل : قالوا إن كان محمد صادقاً فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار { كَلاَّ } ردع لهم عن تلك الإرادة وزجر عن اقتراح الآيات . ثم قال : { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال : إن القرآن تذكرة بليغة كافية { فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } أي فمن شاء أن يذكره ولا ينساه فعل . فإن نفع ذلك عائد إليه { وَمَا يَذْكُرُونَ } وبالتاء : نافع ويعقوب { إِلاَّ أَن يَشَاءَ ٱللَّهُ } إلا وقت مشيئة الله وإلا بمشيئة الله { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } في الحديث : " هو أهل أن يتقي وأهل أن يغفر لمن اتقاه " والله أعلم .