Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 15-46)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هل أتاك حديث موسى } استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به { إذ ناداه رَبُّهُ } حين ناداه { بالوَادِ المقَدَّسِ } المبارك المطهر { طوًى } اسمه { اذهب إلى فرعون } على إرادة القول { إنَّهُ طغى } تجاوز الحد في الكفر والفساد . { فقل هل لّك إلى أن تَزَكَّىٰ } هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان . وبتشديد الزاي : حجازي { وَأَهْدِيَكَ إلَىٰ رَبِّكَ } وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه { فَتَخْشَىٰ } لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] أي العلماء به . وعن بعض الحكماء : اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين . فالخشية ملاك الأمور من خشي الله أتى منه كل خير ، ومن آمن اجترأ على كل شر . ومنه الحديث " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل " بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا ؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوه كما أمر بذلك في قوله تعالى : { فقولا له قولاً ليناً } [ طه : 44 ] { فأراه الآية الكبرى } أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة { فَكَذَّبَ } فرعون بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحراً وسحراً { وعَصَىٰ } الله تعالى { ثمّ أدْبَرَ } تولى عن موسى { يَسْعَىٰ } يجتهد في مكايدته ، أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته وكان طيّاشاً خفيفاً { فَحَشَرَ } فجمع السحرة وجنده { فَنَادَىٰ } في المقام الذي اجتمعوا فيه معه { فقال أنا ربّكم الأعلى } لا رب فوقي وكانت لهم أصنام يعبدونها { فأخذه الله نكال الآخرة } عاقبة الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم . ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة أي الإحراق { والأُولىٰ } أي الإغراق ، أو نكال كلمتيه الآخرة وهي { أنا ربكم الأعلى } والأولى وهي { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون { إنّ في ذلك } المذكور { لَعِبْرَةً لّمن يخشىٰ } الله . { ءَأنتُمْ } يا منكري البعث { أشَدُّ خَلْقاً } أصعب خلقاً وإنشاء { أم السَّمَاءُ } مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقاً . ثم بين كيف خلقها فقال { بناها } أي الله . ثم بين البناء فقال { رَفَعَ سَمْكَهَا } أعلى سقفها . وقيل : جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعاً مسيرة خمسمائة عام { فسواها } فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } أظلمه { وأَخْرَجَ ضُحَاهَا } أبرز ضوء شمسها ، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها { والأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحَاهَا } بسطها وكانت مخلوقة غير مدحوة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام . ثم فسر البسط فقال { أَخْرَجَ منها مَاءَها } بتفجير العيون { ومَرْعَاهَا } كلأها ولذا لم يدخل العاطف على { أخرج } أو { أخرج } حال بإضمار « قد » . { والجبال أرساها } أثبتها وانتصاب الأرض والجبال بإضمار دحاً وأرسى على شريطة التفسير { متاعاً لَّكُمَ ولأنعامِكُمْ } فعل ذلك تمتيعاً لكم ولأنعماكم { فإذا جاءتِ الطَّامَّةُ الكبرى } الداهية العظمى التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وهي النفخة الثانية ، أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار . { يوم يَتَذَكَّرُ الإنسانُ } بدل من { إذا جاءت } أي إذا رأى أعماله مدونة في كتابه يتذكرها وكان قد نسيها { ما سعى } مصدرية أي سعيه أو موصولة { وبُرِّزَتِ الجحيم } وأظهرت { لمن يرى } لكل راء لظهورها ظهوراً بيناً . { فأمّا } جواب { فإذا } أي إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك { من طغى } جاوز الحد فكفر { وَءَاثَرَ الحَياةَ الدُّنْيَا } على الآخرة باتباع الشهوات { فإن الجَحِيمَ هِيَ المأوى } المرجع أي مأواه ، والألف واللام بدل من الإضافة وهذا عند الكوفيين ، وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له { وأمّا من خاف مَقَامَ رَبِّهِ } أي علم أن له مقاماً يوم القيامة لحساب ربه { وَنَهَىٰ النَّفْسَ } الأمارة بالسوء { عن الهوى } المؤذي أي زجرها عن اتباع الشهوات . وقيل : هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها ، والهوى ميل النفس إلى شهواتها { فإنّ الجَنَّةَ هِيَ المأْوَىٰ } أي المرجع { يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا } متى إرساؤها أي إقامتها يعني متى يقيمها الله تعالى ويثبتها { فِيمَ أنتَ مِن ذِكْرَاهَآ } في شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به أي ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء كقولك : ليس فلان من العلم في شيء . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت ، فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أي أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها . { إلى رَبِّكَ مُنتَهَاها } منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره ، أو فيم إنكار لسؤالهم عنها أي فيم هذا السؤال . ثم قال { أنت من ذكراها } أي إرسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها ، ولا يبعد أن يوقف على هذا على { فيم } وقيل { فيم أنت من ذكراها } متصل بالسؤال أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها . ثم استأنف فقال { إلى ربك منتهاها } { إنّما أنت منذر من يخشاها } أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها . { منذر } منون : يزيد وعباس { كَأنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } أي الساعة { لم يَلْبَثُوا } في الدنيا { إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } أي ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله : { لم يلبثوا إلا ساعة من نهار } [ الأحقاف : 35 ] [ يونس : 45 ] وقوله : { قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } [ الكهف : 19 ] [ المؤمنون : 113 ] وإنما صحت إضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما في نهار واحد ، والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً ولكن أحد طرفي النهار عشيته أو ضحاه ، والله أعلم .