Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 1-5)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مدنية وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } النفل الغنيمة لأنها من فضل الله وعطائه ، والأنفال الغنائم . ولقد وقع اختلاف بين المسلمين في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله كيف تقسم ولمن الحكم في قسمتها للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعاً ؟ فقيل له : قل لهم هي لرسول الله وهو الحاكم فيها خاصة يحكم ما يشاء ليس لأحد غيره فيها حكم . ومعنى الجمع بين ذكر الله والرسول أن حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ، ويمتثل الرسول أمر الله فيها ، وليس الأمر في قسمتها مفوضاً إلى رأي أحد { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الاختلاف والتخاصم وكونوا متآخين في الله { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال التي تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق ، وقال الزجاج : معنى { ذَاتَ بِيْنِكُمْ } حقيقة وصلكم . والبين الوصل أي فاتقوا الله وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله به . قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : نزلت فينا يا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين على السواء { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما أمرتم به في الغنائم وغيرها { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } كاملي الإيمان { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } إنما الكاملو الإيمان { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فزعت لذكره استعظاماً له وتهيباً من جلاله وعزه وسلطانه { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُهُ } أي القرآن { زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } ازدادوا بها يقيناً وطمأنينة ، لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه ، أو زادتهم إيماناً بتلك الآيات لأنهم لم يؤمنوا بأحكامها قبل { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يعتمدون ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم لا يخشون ولا يرجون إلا إياه { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } جمع بين أعمال القلوب من الوجل والإخلاص والتوكل ، وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } هو صفة لمصدر محذوف أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً ، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي { أُوْلـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } كقولك « هو عبد الله حقاً » أي حق ذلك حقاً . وعن الحسن رحمه الله أن رجلاً سأله أمؤمن أنت ؟ قال : إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الآية . فلا أدري أنا منهم أم لا . وعن الثوري : من زعم أنه مؤمن بالله حقاً ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية ، أي كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقاً فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً ، وبهذا يتشبث من يقول أنا مؤمن إن شاء الله . وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يقول ذلك . وقال لقتادة : لم تستثني في إيمانك ؟ قال : اتباعاً لإبراهيم في قوله { وَٱلَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ ٱلدِينِ } [ الشعراء : 82 ] فقال له : هلا اقتديت به في قوله { أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ } [ البقرة : 260 ] ، وعن إبراهيم التيمي : قل أنا مؤمن حقاً فإن صدقت أثبت عليه ، وإن كذبت فكفرك أشد من كذبك . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من لم يكن منافقاً فهو مؤمن حقاً . وقد احتج عبد الله على أحمد فقال : إيش اسمك ؟ فقال : أحمد ، فقال : أتقول أنا أحمد حقاً أو أنا أحمد إن شاء الله ؟ فقال : أنا أحمد حقاً . فقال : حيث سماك والداك لا تستثني وقد سماك الله في القرآن مؤمناً تستثني . { لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ } مراتب بعضها فوق بعض على قدر الأعمال { عِندَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ } وتجاوز لسيئاتهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } صافٍ عن كد الاكتساب وخوف الحساب . الكاف في { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ } في محل النصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدر ، والتقدير : قل الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتاً مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون { مِن بَيْتِكَ } يريد بيته بالمدينة ، أو المدينة نفسها لأنها مهاجرة ومسكنة فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت بساكنه { بِٱلْحَقّ } إخراجاً متلبساً بالحكمة والصواب { وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَـِّرِهُونَ } في موضع الحال أي أخرجك في حال كراهتهم . وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان ، فأخبر جبريل النبي عليه السلام فأخبر أصحابه فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم ، فلما خرجوا علمت قريش بذلك فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهو النفير في المثل السائر : لا في العير ولا في النفير . فقيل له : إن العير أخذت طريق الساحل ونجت ، فأبى وسار بمن معه إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوماً في السنة ونزل جبريل عليه السلام فقال : يا محمد ، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين ، إما العير وإما قريشاً . فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال : " العير أحب إليكم أم النفير " قالوا : بل العير أحب إلينا من لقاء العدو . فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ردّد عليهم فقال : " إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل " فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو . فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فأحسنا ، ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض ، فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الأنصار . ثم قال المقداد بن عمرو : امض لما أمرك الله فإنا معك حيث أحببت ، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] . ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون . ما دامت عين منا تطرف ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال سعد بن معاذ : امض يا رسول الله لما أردت ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، فسر بنا على بركة الله . ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه قول سعد ثم قال : « سيروا على بركة الله أبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم » وكانت الكراهة من بعضهم لقوله { وَإِنَّ فَرِيقاً مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَـِّرِهُونَ } قال الشيخ أبومنصور رحمه الله : يحتمل أنهم منافقون كرهوا ذلك اعتقاداً ، ويحتمل أن يكونوا مخلصين ، وأن يكون ذلك كراهة طبع لأنهم غير متأهبين له .