Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 6-20)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يُجَـٰدِلُونَكَ فِي ٱلْحَقّ } الحق الذي جادلوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقي النفير لإيثارهم عليه تلقي العير { بَعْدَمَا تَبَيَّنَ } بعد إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ينصرون وجدالهم قولهم ما كان خروجنا إلا للعير ، وهلا قلت لنا لنستعد وذلك لكراهتهم القتال { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصغار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها . وقيل : كان خوفهم لقلة العدد وإنهم كانوا رجالة وماكان فيهم إلا فارسان { وإذ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ } « إذ » منصوب بـ « اذكر » و { إِحْدَى } مفعول ثانٍ { أَنَّهَا لَكُمْ } بدل من { إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ } وهما العير والنفير والتقدير : وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أي العير وذات الشوكة ذات السلاح ، والشوكة كانت في النفير لعددهم وعدتهم أي تتمنون أن تكون لكم العير لأنها الطائفة التي لا سلاح لها ولا تريدون الطائفة الأخرى { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ } أي يثبته ويعليه { بِكَلِمَـٰتِهِ } بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة ، وبما قضى من قتلهم وطرحهم في قليب بدر { وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } آخرهم والدابر الآخر فاعل من دبر إذا أدبر . وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال يعني أنكم تريدون الفائدة العاجلة ، وسفساف الأمور ، والله تعالى يريد معالي الأمور ، ونصرة الحق ، وعلو الكلمة ، وشتان ما بين المرادين ، ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وأعزكم وأذلهم { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ } متعلق بـ { يقطع } أو بمحذوف تقديره ليحق الحق { وَيُبْطِلَ ٱلْبَـٰطِلَ } فعل ذلك والمقدر متأخر ليفيد الاختصاص أي ما فعله إلا لهما ، وهو إثبات الإسلام وإظهاره ، وإبطال الكفر ، ومحقه ، وليس هذا بتكرار لأن الأول تمييز بين الإرادتين ، وهذا بيان لمراده فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } المشركون ذلك { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } بدل من { إِذْ يَعِدُكُمُ } أو متعلق بقوله { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَـٰطِلَ } واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله يقولون أي ربنا انصرنا على عدوك ، يا غياث المستغيثين أغثنا . وهي طلب الغوث وهو التخليص من المكروه { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } فأجاب . وأصل { أَنّي مُمِدُّكُمْ } « بأني ممدكم » فحذف الجار وسلط عليه { استجاب } فنصب محله { بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَ } { مُردفِينَ } مدني . غيره بكسر الدال . فالكسر على أنهم أردفوا غيرهم ، والفتح على أنه أردف كل ملك ملكاً آخر . يقال : ردفه إذا تبعه ، وأردفته إياه إذا اتبعه { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } أي الإمداد الذي دل عليه ممدكم { إِلاَّ بُشْرَىٰ } إلا بشارة لكم بالنصر { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } يعني أنكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم فكان الإمداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر وتسكيناً منكم وربطاً على قلوبكم { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي ولا تحسبوا النصر من الملائكة فإن الناصر هو الله لكم وللملائكة ، أو وما النصر من الملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله ، والمنصور من نصره الله . واختلف في قتال الملائكة يوم بدر فقيل : نزل جبريل عليه السلام في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر رضي الله عنه ، وميكائل في خمسمائة على الميسرة وفيها علي رضي الله عنه في صورة الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت حتى قال أبو جهل لابن مسعود : من أين كان يأتينا الضرب ، ولا نرى الشخص ، قال : من قبل الملائكة . قال : فهم غلبونا لا أنتم . وقيل : لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين وإلا فملك واحد كافٍ في إهلاك أهل الدنيا . { أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } بنصر أوليائه { حَكِيمٌ } بقهر أعدائه . { إِذْ يُغَشّيكُمُ } بدل ثانٍ من { إِذْ يَعِدُكُمُ } أو منصوب بالنصر أو بإضمار اذكر . { يُغَشّيكُمُ } مدني { ٱلنُّعَاسَ } النوم والفاعل هو الله على القراءتين . { يُغَشّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } مكي ، وأبو عمرو { ءامِنَةً } مفعول له أي إذ تنعسون أمنة بمعنى أمناً أي لأمنكم ، أو مصدر أي فأمنتم أمنة فالنوم يزيح الرعب ويريح النفس { مِنْهُ } صفة لها أي أمنة حاصلة لكم من الله { وَيُنَزّلُ } بالتخفيف : مكي وبصري ، وبالتشديد : وغيرهم { عَلَيْكُم مّن ٱلسَّمَاء مَاء } مطراً { لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } بالماء من الحدث والجنابة { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } وسوسته إليهم وتخويفه إياهم من العطش ، أو الجنابة من الاحتلام ، لأنه من الشيطان وقد وسوس إليهم أن لا نصرة مع الجنابة { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } بالصبر { وَيُثَبّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } أي بالماء إذ الأقدام كانت تسوخ في الرمل ، أو بالربط لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر يثبت القدم في مواطن القتال { إِذْ يُوحِى } بدل ثالث من { إِذْ يَعِدُكُمُ } أو منصوب بـ { يُثَبّتُ } { رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَـئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ } بالنصر { فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } بالبشرى وكان الملك يسير أمام الصف في صورة رجل ويقول : أبشروا فإن الله ناصركم { سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } هو امتلاء القلب من الخوف و { ٱلرُّعْبَ } شامي وعلي { فَٱضْرِبُواْ } أمر للمؤمنين أو الملائكة ، وفيه دليل على أنهم قاتلوا { فَوْقَ ٱلأعْنَـٰقِ } أي أعالي الأعناق التي هي المذابح تطييراً للرؤوس ، أو أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق يعني ضرب الهام { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } هي الأصابع يريد الأطراف ، والمعنى فاضربوا المقاتل والشوي لأن الضرب إما أن يقع على مقتل أو غير مقتل ، فأمرهم أن يجمعوا عليهم النوعين { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل وهو مبتدأ خبره { بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم أي مخالفتهم وهي مشتقة من الشق لأن كلا المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه ، وكذا المعاداة والمخاصمة لأن هذا في عدوة وخُصم أي جانب وذاك في عدوة وخصم { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } والكاف في ذلك لخطاب الرسول أو لكل أحد ، وفي { ذٰلِكُمْ } للكفرة على طريقة الالتفات ، ومحله الرفع على « ذلكم العقاب أو العقاب » { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ } . والواو في { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } بمعنى « مع » أي ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير . { ٱ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } حال من { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . والزحف الجيش الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيباً من زحف الصبي إذا دب على استه قليلاً قليلاً سمي بالمصدر { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأدْبَارَ } فلا تنصرفوا عنهم منهزمين أي إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير وأنتم قليل ، فلا تفروا فضلاً أن تدانوهم في العدد أو تساووهم ، أو حال من المؤمنين أو من الفريقين أي إذا لقيتموهم متزاحفين هم وأنتم . { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرّفاً } مائلاً { لّقِتَالٍ } هو الكر بعد الفر يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه وهو من خدع الحرب { أَوْ مُتَحَيّزاً } منضماً { إِلَىٰ فِئَةٍ } إلى جماعة من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها وهما حالان من ضمير الفاعل في { يُوَلّهِمْ } { فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ووزن متحيز « متفيعل » لا « متفعل » ، لأنه من حاز يحوز ، فبناء متفعل منه متحوز . ولما كسروا أهل مكة وقتلوا وأسروا وكان القاتل منهم يقول تفاخراً قتلت وأسرت قيل لهم { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } والفاء جواب لشرط محذوف تقديره : إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن الله قتلهم . ولما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : خذ قبضة من تراب فارمهم بها فرمى بها في وجوههم وقال " شاهت الوجوه " فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا قيل { وَمَا رَمَيْتَ } يا محمد { إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } يعني أن الرمية التي رميتها أنت لم ترمها أنت على الحقيقة ، لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمي البشر ، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ، وفي الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسباً وإلى الله تعالى خلقاً لا كما تقول الجبرية والمعتزلة ، لأنه أثبت الفعل من العبد بقوله { إِذْ رَمَيْتَ } ثم نفاه عنه وأثبته لله تعالى بقوله { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } ، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } ، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } بتخفيف { لَكِنِ } شامي وحمزة وعلي { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وليعطيهم { مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا } عطاء جميلاً ، والمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وما فعل إلا لذلك { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لدعائهم { عَلِيمٌ } بأحوالهم { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى البلاء الحسن ومحله الرفع أي الأمر ذلكم { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } معطوف على { ذٰلِكُمْ } أي المراد إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين . { مُوهِنُ كَيْدِ } شامي وكوفي غير حفص . { مُوهِنُ كَيْدِ } حفص ، { مُوهِنُ } غيرهم . { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } إن تستنصروا فقد جاءكم النصر عليكم وهو خطاب لأهل مكة ، لأنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة قالوا : اللهم إن كان محمد على حق فانصره ، وإن كنا على الحق فانصرنا . وقيل : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ } خطاب للمؤمنين { وإن } للكافرين أي { وإن تنتهوا } عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم { فهو } أي الانتهاء { خَيْرٌ لَّكُمْ } وأسلم { وَإِن تَعُودُواْ } لمحاربته { نَعُدْ } لنصرته عليكم { وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ } جمعكم { شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ } عدداً { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالفتح مدني وشامي وحفص أي ولأن الله مع المؤمنين بالنصر كان ذلك ، وبالكسر غيرهم ويؤيده قراءة عبد الله { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ } عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن المعنى أطيعوا رسول الله كقوله : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] ولأن طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله } [ النساء : 80 ] فكان رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما كقوله « الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان » أو يرجع الضمير إلى الأمر بالطاعة أي ولا تولوا عن هذا الأمر وأمثاله ، وأصله ولا تتولوا فحذف إحدى التاءين تخفيفاً { وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ } أي وأنتم تسمعونه ، أو ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالفوه وأنتم تسمعون أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة .