Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-75)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ } ما صح له ولا استقام { أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } { أَن تَكُونَ } : بصري { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } الإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه من الثخانة وهي الغلظ والكثافة حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله ، ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر ، ثم الأسر بعد ذلك . رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبعين أسيراً فيهم العباس عمه وعقيل فاستشار النبي عليه السلام أبا بكر فيهم فقال : قومك وأهلك ، استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك . وقال عمر رضي الله عنه : كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر ، وإن الله أغناك عن الفداء ، مكن علياً من عقيل ، وحمزة من العباس ، ومكني من فلان لنسيب له ، فلنضرب أعناقهم . فقال عليه السلام : " مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حيث قال : { وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ) إبراهيم : 36 ) ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال : { رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } ) نوح : 26 ) " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم : " إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم " فقالوا : بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد فلما أخذوا الفداء نزلت الآية { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } متاعها يعني الفداء سماه عرضاً لقلة بقائه وسرعة فنائه { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } أي ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } يقهر الأعداء { حَكِيمٌ } في عتاب الأولياء . { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مّنَ ٱللَّهِ } لولا حكم من الله { سَبَقَ } أن لا يعذب أحداً على العمل بالاجتهاد وكان هذا اجتهاداً منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم ، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد ، وخفي عليهم إن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم ، أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر ، أو ألا يؤاخذ قبل البيان والإعذار . وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكري القياس . { كِتَابٌ } مبتدأ و { مِنَ ٱللَّهِ } صفته أي لولا كتاب ثابت من الله و { سَبَقَ } صفة أخرى له ، وخبر المبتدأ محذوف أي لولا كتاب بهذه الصفة في الوجود ، و { سَبَقَ } لا يجوز أن يكون خبراً لأن « لولا » أبداً { لَمَسَّكُمْ } لنالكم وأصابكم { فِيمَا أَخَذْتُمْ } من فداء الأسرى { عَذَابٌ عظِيمٌ } روي أن عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت . فقال : " أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة " لشجرة قريبة منه . وروي أنه عليه السلام قال : " لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ " لقوله كان الإثخان في القتل أحب إليّ { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ } رُوي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت . وقيل : هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم . والفاء للتسبيب والسبب محذوف ، ومعناه قد أحللت لكم الغنائم فكلوا { حَلَـٰلاً } مطلقاً عن العتاب والعقاب من حل العقال وهو نصب على الحال من المغنوم ، أو صفة للمصدر أي أكلاً حلالاً { طَيِّباً } لذيذاً هنيئاً أو حلالاً بالشرع طيباً بالطبع { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لما فعلتم من قبل { رَّحِيمٌ } بإحلال ما غنمتم . { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لّمَن فِي أَيْدِيكُم } في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم { مِّنَ ٱلاْسْرَىٰ } جمع أسير من الأسارى أبو عمرو جمع أسرى { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } خلوص إيمان وصحة نية { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } من الفداء ، إما أن يخلفكم في الدنيا أضعافه أو يثيبكم في الآخرة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } رُوي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مال البحرين ثمانون ألفاً ، فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه ، وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ منه ما قدر على حمله وكان يقول : هذا خير مما أخذ مني وأرجو المغفرة ، وكان له عشرون عبداً وإن أدناهم ليتجر في عشرين ألفاً وكان يقول : أنجز الله أحد الوعدين وأنا على ثقة من الآخر { وَإِن يُرِيدُواْ } أي الأسرى { خِيَانَتَكَ } نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة أو منع ما ضمنوه من الفداء { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } فأمكنك منهم أي أظفرك بهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن أعادواالخيانة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بالمال { حَكِيمٌ } فيما أمر في الحال . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } من مكة حباً لله ورسوله { وَجَـٰهَدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } هم المهاجرون { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ } أي آووهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم وهم الأنصار { أُوْلَٰـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أي يتولى بعضهم بعضاً في الميراث ، وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة وبالنصرة دون ذوي القرابات حتى نسخ ذلك بقوله { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } وقيل : أراد به النصرة والمعاونة { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } من مكة { مَا لَكُم مّن وَلـٰيَتِهِم } من توليهم في الميراث { وَلـٰيَتِهِم } حمزة . وقيل : هما واحد { مّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } فكان لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر ممن آمن وهاجر ، ولما أبقى للذين لم يهاجروا اسم الإيمان وكانت الهجرة فريضة فصاروا بتركها مرتكبين كبيرة ، دل على أن صاحب الكبيرة لا يخرج من الإيمان { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ } أي من أسلم ولم يهاجر { فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } أي إن وقع بينهم وبين الكفار قتال وطلبوا معونة فواجب عليكم أن تنصروهم على الكافرين { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ } فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم لأنهم لا يبتدئون بالقتال ، إذ الميثاق مانع من ذلك { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تحذير عن تعدي حد الشرع . { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ظاهره إثبات الموالاة بينهم ، ومعناه نهي المسلمين عن موالاة الكفار وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وإن كانوا أقارب وأن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضاً . ثم قال { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضاً حتى في التوارث تفضيلاً لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ، ولم تجعلوا قرابة الكفار كلا قرابة { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة ، لأن المسلمين ما لم يصيروا يداً واحدة على الشرك كان الشرك ظاهراً والفساد زائداً { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَٰـئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والسكن والانسلاخ من المال والدنيا لأجل الدين والعقبى { لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لا منة فيه ولا تنغيص ولا تكرار ، لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم مع الوعد الكريم والأولى للأمر بالتواصل { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِن بَعْدُ } يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة { وَهَاجَرُواْ وَجَـٰهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَٰـئِكَ مِنكُمْ } جعلهم منهم تفضلاً وترغيباً { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } وأولوا القرابات أولى بالتوارث وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة { فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } في حكمه وقسمته أوفى اللوح ، أو في القرآن وهو آية المواريث وهو دليل لنا على توريث ذوي الأرحام { أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فيقضي بين عباده بما شاء من أحكامه . قسم الناس أربعة أقسام : قسم آمنوا وهاجروا ، وقسم آمنوا ونصروا ، وقسم آمنوا ولم يهاجروا ، وقسم كفروا ولم يؤمنوا .