Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 57-66)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ } فإما تصادفنهم وتظفرن بهم { فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } ففرق من محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتباراً بهم واتعاظاً بحالهم . وقال الزجاج : افعل بهم ما تفرق به جمعهم وتطرد به من عداهم { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } لعل المشردين من ورائهم يتعظون { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ } معاهدين { خِيَانَةً } نكثاً بأمارات تلوح لك { فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ } فاطرح إليهم العهد { عَلَىٰ سَوَاءٍ } على استواء منك ومنهم في العلم بنقض العهد وهو حال من النابذ والمنبوذ إليهم أي حاصلين على استواء في العلم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَـٰئِنِينَ } الناقضين للعهود { وَلاَ يَحْسَبَنَّ } بالياء وفتح السين : شامي وحمزة ويزيد وحفص ، وبالتاء وفتح السين : أبو كبر ، وبالتاء وكسر السين : غيرهم { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ } فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم { أَنَّهُمْ } شامي أي لأنهم ، وكل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل غير أن المكسورة على طريقة الاستئناف ، والمفتوحة تعليل صريح ؛ فمن قرأ بالتاء فـ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مفعول أول والثاني { سَبَقُواْ } ومن قرأ بالياء فـ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فاعل و { سَبَقُواْ } مفعول تقديره أن سبقوا فحذف « أن » ، و « أن » مخففة من الثقيلة أي أنهم سبقوا فسد مسد المفعولين ، أو يكون الفاعل مضمراً أي ولا يحسبن محمد الكافرين سابقين ومن ادعى . تفرد حمزة بالقراءة ، ففيه نظر لما بيناه من عدم تفرده بها . وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين . { وَأَعِدُّواْ } أيها المؤمنون { لَهُمْ } لناقضي العهد أو لجميع الكفار { مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ } من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها وفي الحديث " ألا إن القوة الرمي " قالها ثلاثاً على المنبر . وقيل : هي الحصون { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } هو اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ، أو هو جمع ربيط كفصيل وفصال ، وخص الخيل من بين ما يتقوى به كقوله { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [ البقرة : 98 ] { تُرْهِبُونَ بِهِ } بما استطعتم { عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } أي أهل مكة { وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ } غيرهم وهم اليهود ، أو المنافقون ، أو أهل فارس ، أو كفرة الجن . في الحديث " إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دارا فيها فرس عتيق " وروي أن صهيل الخيل يرهب الجن { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } لا تعرفونهم بأعيانهم { ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } يوفر عليكم جزاؤه { وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } في الجزاء بل تعطون على التمام { وَإِن جَنَحُواْ } ما لوا جنح له وإليه مال { لِلسَّلْمِ } للصلح وبكسر السين : أبو بكر وهو مؤنث تأنيث ضدها وهو الحرب { فَٱجْنَحْ لَهَا } فمل إليها { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } ولا تخف من إبطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم فإن الله كافيك وعاصمك من مكرهم { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالك { ٱلْعَلِيمُ } بأحوالك { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ } يمكروا ويغدروا { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } كافيك الله { هُوَ ٱلَّذِي أَيَّدَكَ } قواك { بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } جميعاً أو بالأنصار . { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } قلوب الأوس والخزرج بعد تعاديهم مائة وعشرين سنة { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي بلغت عداوتهم مبلغاً لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر عليه { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } بفضله ورحمته وجمع بين كلمتهم بقدرته ، فأحدث بينهم التوادّ والتحابّ وأماط عنهم التباغض والتماقت { إِنَّهُ عَزَيْرٌ } يقهر من يخدعونك { حَكِيمٌ } ينصر من يتبعونك . { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الواو بمعنى « مع » وما بعده منصوب ، والمعنى كفاك وكفى أتباعك المؤمنين الله ناصراً . ويجوز أن يكون في محل الرفع أي كفاك الله وكفاك أتباعك من المؤمنين . قيل : أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } التحريض المبالغة في الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفي على الموت { إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صَـٰبِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله وتأييده { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ، بخلاف من يقاتل على بصيرة وهو يرجو النصر من الله . قيل : كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة ، ثم ثقل عليهم ذلك فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين بقوله { ٱلئَـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً } { ضعـفاً } عاصم وحمزة { فَإِن يَكُن مِّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ } بالياء فيهما : كوفي ، وافقه البصري في الأولى والمراد الضعف في البدن { يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } وتكرير مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده ، للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة لا تتفاوت ، إذ الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف ، وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين .