Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 27-34)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ } وهم الذين أسلموا منهم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } بستر كفر العدو بالإسلام { رَّحِيمٌ } بنصر الولي بعد الانهزام . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } أي ذوو نجس وهو مصدر ، يقال نجس نجساً وقذر قذراً لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس ، ولأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهي ملابسة لهم ، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة في وصفهم بها { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون في الجاهلية { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } وهو عام تسع من الهجرة حين أمّر أبو بكر رضي الله عنه على الموسم ، ويكون المراد من نهي القربان النهي عن الحج والعمرة وهو مذهبنا ولا يمنعون من دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله يمنعون من المسجد الحرام خاصة وعند مالك يمنعون منه ومن غيره . وقيل : نهى المشركين أن يقربوه راجع إلى نهي المسلمين عن تمكينهم منه { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } أي فقراً بسبب منع المشركين من الحج وما كان لكم في قدومهم عليكم من الإرفاق والمكاسب { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من الغنائم أو المطر والنبات أو من متاجر حجيج الإسلام { إِن شَاءَ } هو تعليم لتعليق الأمور بمشيئة الله تعالى لتنقطع الآمال إليه { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } بأحوالكم { حَكِيمٌ } في تحقيق آمالكم ، أو عليم بمصالح العباد حكيم فيما حكم وأراد ونزل في أهل الكتاب { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } لأن اليهود مثنيّة والنصارى مثلثة { وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } لأنهم فيه على خلاف ما يجب حيث يزعمون أن لا أكل في الجنة ولا شرب { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } لأنهم لا يحرمون ما حرم في الكتاب والسنة ، أو لا يعملون بما في التوراة والإنجيل { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } ولا يعتقدون دين الإسلام الذي هو الحق . يقال : فلان يدين بكذا إذا اتخذه دينه ومعتقده { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } بيان للذين قبله ، وأما المجوس فملحقون بأهل الكتاب في قبول الجزية ، وكذا الترك والهنود وغيرهما بخلاف مشركي العرب لما رُوي الزهري أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان من العرب { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } إلى أن يقبلوها ، وسميت جزية لأنه مما يجب على أهلها أن يجزوه أي يقضوه ، أو هي جزاء على الكفر على التحميل في تذليل { عَن يَدٍ } أي عن يدٍ مواتية غير ممتنعة ولذا قالوا : أعطى بيده إذا انقاد ، وقالوا : نزع يده عن الطاعة . أو حتى يعطوها عن يد إلى يد نقداً غير نسيئة لا مبعوثاً على يدٍ أحد ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } أي تؤخذ منهم على الصغار والذل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشياً غير راكب ، ويسلمها وهو قائم ، والمتسلم جالس ، وأن يتلتل تلتلة ويؤخذ بتلبيبه ويقال له أدِّ الجزية يا ذمي وإن كان يؤديها ويزخ في قفاه وتسقط بالإسلام . { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } كلهم أو بعضهم { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } مبتدأ وخبر كقوله { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } وعزير اسم أعجمي ، ولعجمته وتعريفه امتنع صرفه ، ومن نون . وهم عاصم وعلي فقد جعله عربياً { وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوٰهِهِم } أي قول لا يعضده برهان ولا يستند إلى بيان ، فما هو إلا لفظ يفوهون به فارغ عن معنى تحته كالألفاظ المهملة { يُضَـٰهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } لا بد فيه من حذف مضاف تقديره يضاهي قولهم قولهم ، ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعاً يعني أن الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم ، يعني أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث ، أو الضمير للنصارى أي يضاهي قولهم { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } قول اليهود { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } لأنهم أقدم منهم { يُضَـٰهِئُونَ } عاصم . وأصل المضاهاة المشابهة ، والأكثر ترك الهمز واشتقاقه من قولهم « امرأة ضهياء » وهي التي أشبهت الرجال بأنها لا تحيض كذا قاله الزجاج ، { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } كيف يصرفون عن الحق بعد قيام البرهان . { ٱتَّخَذُواْ } أي أهل الكتاب { أَحْبَـٰرَهُمْ } علماءهم { وَرُهْبَـٰنَهُمْ } نساكهم { أَرْبَابًا } آلهة { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كما يطاع الأرباب في أوامرهم ونواهيهم { وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } عطف على { أَحْبَـٰرَهُمْ } أي اتخذوه رباً حيث جعلوه ابن الله { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـٰهاً وٰحِداً } يجوز الوقف عليه لأن ما بعده يصلح ابتداء يصلح وصفاً لواحداً { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه له عن الإشراك { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } مثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق ، يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى من الإشراق ليطفئه بنفخه . أجرى { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ } مجرى { لاَ يُرِيدُ ٱللَّه } ولذا وقع في مقابله { يُرِيدُونَ } وإلا فلا يقال : كرهت أو أبغضت إلا زيداً . { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } محمداً عليه السلام { بِٱلْهُدَىٰ } بالقرآن { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } الإسلام { لِيُظْهِرَهُ } ليعليه { عَلَى ٱلدّينِ كُلِّهِ } على أهل الأديان كلهم ، أو ليظهر دين الحق على كل دين { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ * يا أيها الذين آمنوا إنَّ كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس } استعار الأكل للأخذ { بِٱلْبَـٰطِلِ } أي بالرشا في الأحكام { وَيَصُدُّونَ } سفلتهم { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } دينه { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ } يجوز أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين ذميمتين فيهم : أخذ الرشا وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير . ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين ، ويقرن بينهم وبين المرتشين من أهل الكتاب تغليظاً . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان باطناً ، وما بلغ أن يزكي فلم يزك فهو كنز وإن كان ظاهراً " ولقد كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم كعبد الرحمن بن عوف وطلحة يقتنون الأموال ويتصرفون فيها وما عابهم أحد ممن أعرض عن القنية ، لأن الإعراض اختيار للأفضل والاقتناء مباح لا يذم صاحبه { وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الضمير راجع إلى المعنى لأن كل واحد منهما دنانير ودراهم ، فهو كقوله : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] . أو أريد الكنوز ولأموال ، أو معناه ولا ينفقونها والذهب كما أن معنى قوله : @ فإني وقيار بها لغريب @@ وقيار كذلك . وخصا بالذكر من بين سائر الأموال لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء . وذكر كنزهما دليل على ما سواهما { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .