Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 35-40)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومعنى قوله { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ } أن النار تحمي عليها أي توقد ، وإنما ذكر الفعل لأنه مسند إلى الجار والمجرور ، أصله يوم تحمى النار عليها ، فلما حذفت النار قيل { يُحْمَىٰ } لانتقاد الإسناد عن النار إلى عليها كما تقول « رفعت القصة إلى الأمير » فإن لم تذكر القصة قلت « رفع إلى الأمير » { فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } وخصت هذه الأعضاء لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم ، أو معناه يكوون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم { هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ } يقال لهم هذا ما كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وما علمتم أنكم كنزتموه لتستضر به أنفسكم وهو توبيخ { فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه ، أو وبال كونكم كانزين . { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } من غير زيادة ، والمراد بيان أن أحكام الشرع تبتني على الشهور القمري المحسوبة بالأهلة دون الشمسية { فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } فيما أثبته وأوجبه من حكمته أو في اللوح { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } ثلاثة سرد : ذو القعدة للقعود عن القتال ، وذو الحجة للحج ، والمحرم لتحريم القتال فيه ، وواحد فرد وهو رجب لترجيب العرب إياه أي لتعظيمه { ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَِيّمُ } أي الدين المستقيم لا ما يفعله أهل الجاهلية يعني أن تحريم الأربعة الأشهر هو الدين المستقيم ودين إبراهيم وإسماعيل ، وكانت العرب تمسكت به فكانوا يعظمونها ويحرمون القتال فيها حتى أحدثت النسيء فغيروا { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ } في الحرم أو في الاثني عشر { أَنفُسَكُـمْ } بارتكاب المعاصي { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } حال من الفاعل أو المفعول { كَمَا يُقَـٰتِلُونَكُمْ كَافَّةً } جميعاً { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } أي ناصر لهم حثهم على التقوى بضمان النصرة لأهلها { إِنَّمَا ٱلنَّسِيءُ } بالهمزة مصدر نسأه إذا أخره ، وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر . وذلك أنهم كانوا أصحاب حروب وغارات ، فإذا جاء الشهر الحرام وهم محاربون شق عليهم ترك المحاربة فيحلونه ويحرمون مكانه شهراً آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم ، فكانوا يحرمون من بين شهور العام أربعة أشهر { زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ } أي هذا الفعل منهم زيادة في كفرهم { يُضَلُّ } كوفي غير أبي بكر { بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالنسيء . والضمير في { يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا } للنسيء أي إذا أحلوا شهراً من الأشهر الحرم عاماً رجعوا فحرموه في العام القابل { لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } ليوافقوا العدة التي هي الأربعة ولا يخالفوها وقد خالفوا التخصيص الذي هو أحد الواجبين . واللام تتعلق بـ { يُحِلُّونَهُ } و { يحرمونه } أو بـ { يحرمونه } فحسب وهو الظاهر { فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال ، أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها { زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَـٰلِهِمْ } زين الشيطان لهم ذلك فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } حال اختيارهم الثبات على الباطل . ٱ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ } اخرجوا { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ } تثاقلتم وهو أصله إلا أن التاء أدغمت في الثاء فصارت ثاء ساكنة ، فدخلت ألف الوصل لئلا يبتدأ بالساكن أي تباطأتم { إِلَى ٱلأَرْضِ } ضمن معنى الميل والإخلاد فعدي بـ « إلى » أي ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ، أو ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم ، وكان ذلك في غزوة تبوك استنفروا في وقت عسرة وقحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم ذلك . وقيل : ماخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة إلاّ ورّي عنها بغيرها إلا في غزوة تبوك ليستعد الناس تمام العدة { أَرَضِيتُم بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ } بدل الآخرة { فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ } في جنب الآخر { إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ } إلى الحرب { يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا } سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين ، وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوماً آخرين خيراً منهم وأطوع ، وأنه غني عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئاً . وقيل : الضمير في { وَلاَ تَضُرُّوهُ } للرسول عليه السلام لأن الله وعده أن يعصمه من الناس وأن ينصره ووعده كائن لا محالة { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ } من التبديل والتعذيب وغيرهما { قَدِيرٌ * إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد ، فدل بقوله { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } على أنه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أسند الإخراج إلى الكفار لأنهم حين هموا بإخراجه أذن الله له في الخروج فكأنهم أخرجوه { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أحد اثنين كقوله { ثالث ثلاثة } وهما رسول الله وأبو بكر ، وانتصابه على الحال { إِذْ هُمَا } بدل من { إِذْ أَخْرَجَهُ } { فِي ٱلْغَارِ } هو نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثاً فيه ثلاثاً { إِذْ يَقُولُ } بدل ثانٍ { لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } بالنصرة والحفظ . قيل : طلع المشركون فوق الغار فأشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله فقال عليه السلام : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " وقيل : لما دخل الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أعم أبصارهم " فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله بأبصارهم عنه وقالوا : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله وليس ذلك لسائر الصحابة { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ } ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه { عَلَيْهِ } على النبي صلى الله عليه وسلم أو على أبي بكر لأنه كان يخاف وكان عليه السلام ساكن القلب { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } هم الملائكة صرفوا وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه ، أو أيده بالملائكة يوم بدر والأحزاب وحنين { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي دعوتهم إلى الكفر { ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ } دعوته إلى الإسلام { هِىَ } فصل { ٱلْعُلْيَا } { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ } بالنصب : يعقوب بالعطف ، والرفع على الاستئناف أوجه إذ هي كانت ولم تزل عالية { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } يعز بنصره أهل كلمته { حَكِيمٌ } يذل أهل الشرك بحكمته .