Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 31-41)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين } يعني مع الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم فسجدوا { قال } يعني قال الله { يا أبليس مالك ألا تكون مع الساجدين قال } يعني إبليس { لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون } أراد إبليس أنه أفضل من آدم لأن آدم طيني الأصل وإبليس ناري الأصل . والنار أفضل من الطين فيكون إبليس في قياسه أفضل من آدم ، ولم يدرِ الخبيث أن الفضل فيما فضله الله تعالى { قال فاخرج منها } يعني من الجنة وقيل من السماء { فإنك رجيم } أي طريد { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } قيل : إن أهل السموات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض ، فهو ملعون في السموات والأرض فإن قلت : إن حرف إلى لانتهاء الغاية فهل ينقطع اللعن عنه يوم الدين الذي هو يوم القيامة ؟ قلت : لا بل يزداد عذاباً إلى اللعنة التي عليه كأنه قال تعالى ، وإن عليك اللعنة فقط إلى يوم الدين . ثم تزداد معها بعد ذلك عذاباً دائماً مستمراً لا انقطاع له { قال رب فأنظرني } يعني أخّرني { إلى يوم يبعثون } يعني يوم القيامة وأراد بهذا السؤال أنه لا يموت أبداً لأنه أذا أمهل إلى يوم القيامة ، ويوم القيامة لا يموت فيه أحد لزم من ذلك أنه لا يموت أبداً ، فلهذا السبب سأل الإنظار إلى يوم يبعثون ، فأجابه الله سبحانه وتعالى بقوله : { قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } يعني الوقت الذي يموت فيه جميع الخلائق وهو النفخة الأولى فيقال : إن مدة موت إبليس أربعون سنة ، وهو ما بين النفختين ، ولم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكراماً له بل كان ذلك الإمهال زيادة له في بلائه وشقائه وعذابه . وإنما سمي يوم القيامة بيوم الوقت المعلوم ، لأن ذلك اليوم لا يعلمه أحد إلا الله تعالى فهو معلوم عنده وقيل : إن جميع الخلائق يموتون فيه فهو معلوم بهذا الاعتبار وقيل لما سأل إبليس الإنظار إلى يوم يبعثون أجابه الله بقوله : فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يعني اليوم الذي عينت وسألت الإنظار إليه { قال رب بما أغويتني } الباء للقسم في قوله بما وما ومصدرية ، وجواب القسم { لأزينن } والمعنى فبإغوائك إياي لأزينن لهم في الأرض ، وقيل هي باء السبب . يعني بسبب كوني غاوياً لأزينن { لهم في الأرض } يعني لأزينن لهم حب الدنيا ومعاصيك { ولأغوينهم أجمعين } يعني بإلقاء الوسوسة في قلوبهم ، وذلك أن إبليس لما علم أنه يموت على الكفر غير مغفور لهم حرص على إضلال الخلق بالكفر ، وإغوائهم ثم استثنى فقال { إلا عبادك منهم المخلصين } يعني المؤمنين الذين أخلصوا لك التوحيد والطاعة والعبادة ، ومن فتح اللام من المخلصين يكون المعنى إلا من أخلصته واصطفيته لتوحيدك وعبادتك . وإنما استثنى إبليس المخلصين لأنه علم أن كيده ووسوسته لا تعمل فيهم ، ولا يقبلون منه وحقيقة الإخلاص فعل الشيء خالصاً لله عن شائبة الغير فكل من أتى بعمل من أعمال الطاعات فلا يخلو ، إما أن مراده بتلك الطاعات وجه الله فقط ، أو غير الله أو مجموع الأمرين . أما ما كان لله تعالى فهو الخالص المقبول ، وأما ما كان لغير الله فهو الباطل المردود ، وأما من كان مراده مجموع الأمرين فإن ترجح جانب الله تعالى كان من المخلصين الناجحين وإن ترجح الجانب الآخر كان من الهالكين لأن المثل يقابله المثل فيبقى القدر الزائد ، وإلى أي الجانبين رجح أخذ به { قال } يعني قال الله تبارك وتعالى { هذا صراط علي مستقيم } قال الحسن معناه هاذا صراط إلى مستقيم . وقال مجاهد : الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج إلى شيء . وقال الأخفش : معناه على الدلالة على الصراط المستقيم . وقال الكسائي : هذا على طريق التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه : طريقك علي أي لا تنفلت مني . وقيل : معناه علي استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية . وقيل : هذا عائد إلى الإخلاص والمعنى أن الإخلاص طريق علي وإلي يؤدي إلى كرامتي ورضواني .