Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 118-123)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وعلى الذين هادوا } يعني اليهود { حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } يعني ما سبق ذكره وبيانه في سورة الأنعام وهو قوله تعالى { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } [ الأَنعام : 146 ] الآية { وما ظلمناهم } يعني بتحريم ذلك عليهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } يعني إنما حرمنا عليهم ما حرمنا بسبب بغيهم وظلمهم أنفسهم ونظيره قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . وقوله تعالى { ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة } المقصود من هذه الآية بيان فضل الله وكرمه وسعة مغفرته ورحمته ، لأن السوء لفظ جامع لكل فعل قبيح فيدخل تحته الكفر وسائر المعاصي وكل ما لا ينبغي وكل من عمل السوء فإنما يفعله بجهالة ، لأن العاقل لا يرضى بفعل القبيح فمن صدر عنه فعل قبيح من كفر أو معصية ، فإنما يصدر عنه بسبب جهله إما لجهله بقدر ما يترتب عليه من العقاب أو لجهله بقدر من يعصيه ، فثبت بهذا أن فعل السوء إنما يفعل بجهالة ثم إن الله تعالى وعد من عمل سوءاً بجهالة ثم تاب ، وأصلح العمل في المستقبل أن يتوب عليه ويرحمه وهو قوله تعالى ثم تابوا من بعد ذلك ، يعني من بعد عمل ذلك السوء { وأصلحوا } يعني أصلحوا العمل في المستقبل ، وقيل معنى الإصلاح الاستقامة على التوبة { إن ربك من بعدها } يعني من بعد عمل السوء بالجهالة والتوبة منه { لغفور } يعني لمن تاب وآمن { رحيم } يعني بجميع المؤمنين والتائبين . قوله سبحانه وتعالى { إن إبراهيم كان أمة } حكى ابن الجوزي عن ابن الأنباري أنه قال : هذا مثل قول العرب : فلان رحمة وفلان علامة ونسابة يقصدون بهذا التأنيث قصد التناهي في المعنى الذي يصفونه به . والعرب توقع الأسماء المبهمة على الجماعة وعلى الواحد كقوله تبارك وتعالى { فنادته الملائكة } [ آل عمران : 39 ] وإنما ناداه جبريل وحده ، وإنما سمي إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمة لأنه اجتمع فيه من صفات الكمال وصفات الخير الأخلاق الحميدة ما اجتمع في أمة . ومنه قول الشاعر : @ ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد @@ ثم للمفسرين في معنى اللفظة أقوال أحدها : قول ابن مسعود : الأمة معلم الخير يعني أنه كان معلماً للخير يأتّم به أهل الدنيا . والثاني قال مجاهد : إنه كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار فلهذا المعنى كان أمة واحدة ومنه " قوله صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل " يبعثه الله أمة واحدة " " وإنما قال فيه المقالة لأنه كان فارق الجاهلية وما كانوا عليه من عبادة الأصنام . والثالث قال قتادة : ليس من أهل دين إلا وهم يتلونه ويرضونه ، وقيل : الأمة فعلة بمعنى مفعولة ، وهو الذي يؤتم به وكان إبراهيم عليه السلام إماماً يقتدى به دليله قوله سبحانه وتعالى { إني جاعلك للناس إماماً } [ البقرة : 124 ] وقيل إنه عليه السلام هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ومن تبعه ممتازين عمن سواهم بالتوحيد لله والدين الحق وهو من باب إطلاق المسبب على السبب ، وقيل : إنما سمي إبراهيم عليه السلام أمة لأنه قام مقام أمة في عبادة الله { قانتاً لله } يعني مطيعاً لله وقيل هو القائم بأوامر الله { حنيفاً } مسلماً يعني مقيماً على دين الإسلام لا يميل عنه ولا يزول . وهو أول من اختتن وضحّى ، وأقام مناسك الحج { ولم يك من المشركين } يعني أنه عليه السلام كان من الموحدين المخلصين من صغره إلى كبره { شاكراً لأنعمه } يعني أنه كان شاكراً لله على أنعمه التي أنعم بها عليه { اجتباه } أي اختاره لنبوته واصطفاه لخلته { وهداه إلى صراط مستقيم } يعني هداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم والدين القويم { وآتيناه في الدنيا حسنة } يعني الرسالة والخلة . وقيل : هي لسان الصدق والثناء الحسن والقبول العام في جميع الأمم فإن الله حببه إلى جميع خلقه فكل أهل الأديان يتلونه المسلمون واليهود والنصارى ، ومشركو العرب وغيرهم ، وقيل : هو قول المصلي في التشهد : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . وقيل إنه آتاه أولاداً أبراراً على الكبر { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } يعني في أعلى مقامات الصالحين في الجنة . وقيل : معناه وإنه في الآخرة لمن الصالحين يعني الأنبياء في الجنة فتكون من بمعنى مع ولما وصف الله عز وجل إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات الشريفة العالية ، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه سلم باتباعه فقال تعالى { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } يعني دينه وما كان عليه من الشريعة والتوحيد . قال أهل الأصول : كان النبي صلى الله عليه وسلم مأموراً بشريعة إبراهيم إلا ما نسخ منها وما لم ينسخ صار شرعاً له ، وقال أبو جعفر الطبري أمره باتباعه في التبري من الأوثان والتدين بدين الإسلام وهو قوله { حنيفاً } مسلماً { وما كان من المشركين } تقدم تفسيره .