Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 74-77)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فلا تضربوا لله الأمثال } يعني لا تشبهوا الله بخلقه فإنه لا مثل له ولا شبيه ولا شريك من خلقه ، لأن الخلق كلهم عبيده ، وفي ملكه فكيف يشبه الخالق بالمخلوق ، أو الرازق بالمرزوق ، أو القادر بالعاجز { إن الله يعلم } يعني ما أنتم عليه من ضرب الأمثال له { وأنتم لا تعلمون } خطأ ما تضربون له من الأمثال . قوله تعالى { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } لما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن ضرب الأمثال ، لقلة علمهم ضرب هو سبحانه وتعالى لنفسه مثلاً ، فقال تعالى : مثلكم في إشراككم بالله الأوثان ، كمثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر كريم مالك قادر ، قد رزقه الله مالاً فهو يتصرف فيه ، وينفق منه كيف يشاء ، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال ، فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة البشرية ، فكيف يجوز للعقل أن يسوي بين الله عز وجل الخالق القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء ألبتة ؟ وقيل : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر المراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر ، لأنه لما كان محروماً من عبادة الله وطاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز الذي لا يقدر على شيء ، وقيل : إن الكافر لما رزقه الله مالاً فلم يقدم فيه خيراً صار كالعبد الذي لا يملك شيئاً ، والمراد بقوله ومن رزقناه منا رزقاً حسناً ، المؤمن لأنه لما اشتغل بطاعة الله وعبوديته والإنفاق في وجوه البر والخير صار كالحر المالك الذي ينفق سراً وجهراً في طاعة الله ، وابتغاء مرضاته وهو قوله سبحانه وتعالى { فهو ينفق منه سراً وجهراً } فأثابه الله الجنة على ذلك . فإن قلت : لم قال عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ، وكل عبد هو مملوك وهو غير قادر على التصرف ؟ قلت : إنما ذكر المملوك ليتميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعاً لأنهما من عباد الله ، وقوله : لا يقدر على شيء احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف ، لأنهما يقدران على التصرف واحتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئاً { هل يستوون } ولم يقل هل يستويان يعني هل يستوي الأحرار والعبيد ، والمعنى كما لا يستوي هذا الفقير البخيل ، والغني السخي كذلك لا يستوي الكافر العاصي ، والمؤمن الطائع ، وقال عطاء في قوله : عبداً مملوكاً هو أبو جهل بن هشام ومن رزقناه منا رزقاً حسناً ، هو أبو بكر الصديق ثم قال تعالى { الحمد لله } حمد الله نفسه لأنه المستحق لجميع المحامد لأنه المنعم المتفضل على عباده ، وهو الخالق الرازق لا هذه الأصنام التي عبدها هؤلاء ، فإنها لا تستحق الحمد لأنها جماد عاجز ، لا يد لها على أحد ولا معروف ، فتحمد عليه إنما الحمد الكامل لله لا لغيره فيعجب على جميع العباد ، حمد الله لأنه أهل الحمد والثناء الحسن { بل أكثرهم } يعني الكفار { لا يعلمون } يعني أن الحمد لله لا لهذه الأصنام { وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم } هو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، والأبكم الذي لا يفهم ولا يفهم { لا يقدر على شيء } هو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل ، { وهو كل على مولاه } أي ثقيل على من يلي أمره ويعوله وقيل أصله من الغلظ وهو نقيض الحدة ، يقال كل السكين إذا غلظت شفرته وكل اللسان إذا غلظ فلم يقدر على النطق ، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه ، فقوله وهو كل على مولاه أي غليظ ثقيل على مولاه { أينما يوجهه } أي حيثما يرسله ويصرفه في طلب حاجة أو كفاية مهم { لا يأت بخير } يعني لا يأت بجنح لأنه أخرس عاجز لا يحسن ولا يفهم { هل يستوي } يعني من هذه صفته { هو } يعني صاحب هذه الصفات المذمومة { ومن يأمر بالعدل } يعني ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات ذو رشد وديانة يأمر الناس بالعدل والخير { وهو } في نفسه { على صراط مستقيم } يعني على سيرة صالحة ودين قويم ، فيجب أن يكون الآمر بالعدل ، عالماً قادراً مستقيماً في نفسه حتى يتمكن من الأمر بالعدل ، وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه ، ولما يفيض على عباده من إنعامه ويشملهم به من آثار رحمته وألطافه وللأصنام التي هي أموات جماد ، لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تنطق ولا تعقل ، وهي كل على عابديها ، لأنها تحتاج إلى كلفة الحمل والنقل والخدمة . وقيل : كلا المثلين للمؤمن والكافر ، والمؤمن : هو الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم . والكافر : هو الأبكم الثقيل الذي لا يأمر بخير فعلى هذا القول تكون الآية على العموم في كل مؤمن وكافر . وقيل : هي على الخصوص فالذي يأمر بالعدل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على صراط مستقيم . والذي يأمر بالظلم وهو أبكم أبو جهل . وقيل : الذي يأمر بالعدل عثمان بن عفان ، وكان له مولى يأمره بالإسلام وذلك المولى يأمر عثمان بالإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تعالى ، فهو الذي لا يأت بخير . وقيل : المراد بالأبكم الذي لا يأت بخير أبي بن خلف ، وبالذي يأمر العدل حمزة وعثمان بن عفان ، وعثمان بن مظعون { ولله غيب السموات والأرض } أخبر الله عز وجل في الآية عن كمال علمه ، وأنه عالم بجميع الغيوب ، فلا تخفى عليه خافية ولا يخفى عليه شيء منها ، وقيل الغيث هنا هو علم قيام الساعة وهو قوله { وما أمر الساعة } يعني في قيامها ، والساعة هي الوقت الذي يقوم الناس فيه لموقف الحساب { إلا كلمح البصر } يعني في السرعة ، ولمح البصر هو انطباق جفن العين وفتحه وهو طرف العين أيضاً { أو هو أقرب } يعني أن لمح البصر يحتاج إلى زمان وحركة ، والله سبحانه وتعالى إذا أراد شيئاً قال له : كن فيكون في أسرع من لمح البصر وهو قوله { إن الله على كل شيء قدير } فيه دليل على كمال قدرة الله تعالى وأنه سبحانه وتعالى مهما أراد شيئاً كان أسرع ما يكون . قال الزجاج : ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر ، ولكنه سبحانه وتعالى وصف سرعة القدرة على الإتيان بها متى شاء ، لا يعجزه شيء .