Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 81-88)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } يعني جعل لكم ما تستظلون به من شدة الحر والبرد ، وهي ظلال الأبنية والجدران والأشجار { وجعل لكم من الجبال أكناناً } جمع كن وهو ما يستكن فيه من شدة الحر والبرد ، كالأسراب والغيران ونحوها وذلك لأن الإنسان إما أن يكون غنياً أو فقيراً ، فإذا سافر احتاج في سفره ما يقيه من شدة الحر والبرد فأما الغني فيستصحب معه الخيام في سفره ، ليستكن فيها وإليه الإشاره بقوله { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً } وأما الفقير فيستكن في ظلال الأشجار والحيطان والكهوف ونحوها ، وإليه الإشارة بقوله والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً ولأن بلاد العرب شديدة الحر ، وحاجتهم إلى الضلال وما يدفع شدته وقوته أكثر فلهذا السبب ذكر الله هذه المعاني في معرض الامتنان عليهم بها ، لأن النعمة عليهم فيها ظاهرة { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } يعني وجعل لكم قمصاً وثياباً من القطن والكتان والصوف وغير ذلك ، تمنعكم من شدة الحر قال أهل المعاني والبرد فاكتفى بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه { وسرابيل تقيكم بأسكم } يعني الدروع والجواشن وسائر ما يلبس في الحرب من السلاح ، والبأس الحرب يعني تقيكم في بأسكم السلاح أن يصيبكم . قال عطاء الخراساني : إنما نزل القرآن على قدر معرفتهم فقال تعالى وجعل لكم من الجبال أكناناً ، وما جعله لهم من السهول أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال كما قال ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وما جعل لهم من القطن والكتاب أكثر ، ولكن كانوا أصحاب صوف ووبر وشعر ، وكما قال تعالى { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } وما أنزل من الثلج أكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفون الثلج وقال تقيكم الحر وما جعل لهم مما يقي من البرد أكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر . وقوله سبحانه وتعالى { كذلك } يعني كما أنعم عليكم بهذه النعم { يتم نعمته عليكم } يعني نعم الدنيا والدين { لعلكم تسلمون } يعني لعلكم يا أهل مكة تخلصون لله الوحدانية والربوبية والعبادة والطاعة وتعلمون ، أنه لا يقدر على هذه الإنعامات إلا الله تعالى { فإن تولوا } يعني فإن أعرضوا عن الإيمان بك وتصديقك يا محمد وآثروا ما هم فيه من الكفر واللذات الدنيوية ، فإنما وبال ذلك عليهم لا عليك { فإنما عليك البلاغ المبين } يعني ليس عليك في ذلك عتب ، ولا سمة تقصير إنما عليك البلاغ ، وقد فعلت ذلك ثم ذمهم الله تعالى بقوله { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } قال السدي : نعمة الله يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أنكروه وكذبوه . وقيل : نعمة الله هي الإسلام لأنه من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده ، ثم إن كفار مكة أنكروه وجحدوه ، وقال مجاهد وقتادة : نعمة الله ما عدد عليهم في هذه السورة من النعم يقرون بأنها من الله ، ثم إذا قيل لهم : صدقوا وامتثلوا أمر الله فيها ينكرونها ويقولون ورثناها عن آبائنا . وقال الكلبي : إنه لما ذكر هذه النعم قالوا : هذه نعم كلها من الله تعالى لكنهم بشفاعة آلهتنا وقيل هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا ولولا فلان لما كان كذا وقيل إنهم يعترفون بأن الله أنعم بهذه النعم ، ولكنهم لا يستعملونها في طلب رضوانه ولا يشكرونه عليها { وأكثرهم الكافرون } إنما قال الله سبحانه وتعالى أكثرهم الكافرون مع أنهم كانوا كلهم كافرين ، لأنه كان فيهم من لم يبلغ بعد حد التكليف فعبر بالأكثر عن البالغين ، وقيل : أراد بالأكثر الكافرين الحاضرين المعاندين ، وقد كان فيهم من ليس بمعاند وإن كان كافراً وقيل إنه عبر بالأكثر عن الكل لأنه قد يذكر الأكثر ، ويراد به الجمع قوله سبحانه وتعالى { ويوم نبعث من كل أمة شهيداً } لما ذكر الله سبحانه وتعالى نعمه على الكافرين وإنكارهم لها ، وذكر أن أكثرهم كافرون ، أتبعه بذكر الوعيد لهم في الآخرة فقال تعالى : { ويوم نبعث من كل أمة شهيداً } يعني رسولاً وذلك اليوم ، هو يوم القيامة والمراد بالشهداء : الأنبياء يشهدون على أممهم بإنكار نعم الله عليهم وبالكفر { ثم لا يؤذن للذين كفروا } يعني في الاعتذار وقيل لا يؤذن لهم في الكلام أصلاً . وقيل لا يؤذن لهم بالرجوع إلى دار الدنيا فيعتذروا ويتوبوا وقيل : لا يؤذن لهم في معارضة الشهود بل يشهدون عليهم ويقرونهم على ذلك { ولا هم يستعتبون } الاستعتاب : طلب العتاب ، والمعتبة : هي الغلظة والموجدة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره ، والرجل إنما يطلب العتاب من خصمه ليزيل ما في نفسه عليه من الموجدة والغضب ، ويرجع إلى الرضا عنه وإذ لم يطلب العتاب منه دل ذلك على أنه ثابت على غضبه عليه ، ومعنى الآية : أنهم لا يكلفون أن يرضوا ربهم في ذلك اليوم ، لأن الآخرة ليست دار غضبه عليه ، ومعنى الآية أنهم لا يكلفون أن يرضوا ربهم في ذلك اليوم لأن الآخرة ليست دار تكليف ولا يرجعون إلى الدنيا فيتوبوا ويرجعوا يرضوا ربهم فالاستعتاب : التعرض لطلب الرضا ، وهذا باب مسند على الكفار في الآخرة { وإذا رأى الذين ظلموا } يعني ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي { العذاب } يعني عذاب جهنم { فلا يخفف عنهم } يعني العذاب { ولا هم ينظرون } يعني لا يؤخرون ولايمهلون { وإذا رأى الذين أشركوا } يعني يوم القيامة { شركاءهم } يعني أصنامهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك } يعني أرباباً وكنا نعبدهم ونتخذهم آلهة { فألقوا } يعني الأصنام { إليهم } يعني إلى عابديها { القول إنكم لكاذبون } يعني أن الأصنام قالت للكفار : إنكم لكاذبون يعني في تسميتنا آلهة وما دعوناكم إلى عبادتنا . فإن قلت : الأصنام جماد لا تتكلم فكيف يصح منها الكلام ؟ . قلت : لا يبعد أن الله سبحانه وتعالى لما بعثها ، وأعادها في الآخرة ، خلق فيها الحياة والنطق والعقل حتى قالت ذلك . والمقصود من إعادتها وبعثها ، أن تكذب الكفار ويراها الكفار وهي في غاية الذلة والحقارة ، فيزدادون بذلك غماً وحسرة { وألقوا } يعني المشركين { إلى الله يؤمئذ السلم } يعني أنهم استسلموا له ، وانقادوا لحكمه فيهم ولم تغن عنهم آلهتهم شيئاً { وضل عنهم } يعني وزال عن المشركين { ما كانوا يفترون } يعني ما كانوا يكذبون في الدنيا في قولهم ، إن الأصنام تشفع لهم { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } يعني ضموا مع كفرهم أنهم منعوا الناس عن الدخول في الإيمان بالله ورسوله { زدناهم عذاباً فوق العذاب } يعني زدناهم هذه الزيادة بسبب صدهم عن سبيل الله مع ما يستحقونه من العذاب على كفرهم الأصلي ، واختلفوا في هذه الزيادة ما هي فقال عبد الله بن مسعود : عقارب لها أنياب ، كأمثال النخل الطوال . وقال سعيد بن جبير : حيات كالبخت وعقارب أمثال البغال ، تلسع إحداهن اللسعة ، فيجد صاحبها ألمها أربعين خريفاً . وقال ابن عباس ومقاتل : يعني خمسة أنهار من صفر مذاب كالنار تسيل يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار ، وقيل : إنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار مستغيثين بها وقيل : يضاعف لهم العذاب ضعفاً بسبب كفرهم وضعفاً بسبب صدهم الناس عن سبيل الله { بما كانوا يفسدون } يعني أن الزيادة إنما حصلت لهم بسبب صدهم عن سبيل الله ، وبسبب ما كانوا يفسدون مع ما يستحقونه من العذاب على الكفر .