Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 20-25)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء } أي نمد كلا الفريقين من يريد الدنيا ، ومن يريد الآخرة { من عطاء ربك } يعني يرزقها جميعاً ثم يختلف الحال بهما في المآل { وما كان عطاء ربك محظوراً } أي ممنوعاً عن عباده والمراد بالعطاء العطاء في الدنيا إذ لا حظ للكافر في الآخرة { انظر } يا محمد { كيف فضلنا بعضهم على بعض } أي في الرزق والعمل يعني طالب العاجلة وطالب الآخرة { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } يعني أن تفاضل الخلق في درجات منافع الدنيا محسوس فتفاضلهم في درجات منافع الآخرة أكبر وأعظم فإن نسبة التفاضل في درجات الآخرة إلى التفاضل في درجات الدنيا ، كنسبة الآخرة إلى الدنيا فإذا كان الإنسان تشتد رغبته في طلب الدنيا فلأن تقوى وتشتد رغبته في طلب الآخرة أولى ، لأنها دار المقامة . قوله تعالى { لا تجعل مع الله إلهاً آخر } الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره وقيل معناه لا تجعل أيها الإنسان مع الله إلهاً آخر وهذا أولى { فتقعد مذموماً } أي من غير حمد { مخذولاً } أي بغير ناصر . قوله سبحانه وتعالى : { وقضى ربك } أي وأمر ربك . قاله ابن عباس : وقيل معناه وأوجب ربك . وقيل : معناه الحكم والجزم . وقيل : ووصى ربك . وحكي عن الضحاك أنه قرأها ووصى ربك وقال : إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصار قافاً وهي قراءة علي وابن مسعود . قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير هذا القول بعيد جداً لأنه يفتح باب أن التحريف والتغيير قد تطرق إلى القرآن ولو جوزنا ذلك لارتفع الأمان على القرآن ، وذلك يخرجه عن كونه حجة ، ولا شك أنه طعن عظيم في الدين { ألاَّ تعبدوا إلا إياه } فيه وجوب عبادة الله ، والمنع من عبادة غيره وهذا هو الحق لأن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم ، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن له الإنعام والإفضال على عباده ولا منعم إلا الله ، فكان هو المستحق للعبادة لا غيره { وبالوالدين إحساناً } أي وأمر بالوالدين إحساناً أي براً بهما وعطفاً عليهما وإحساناً إليهما { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما } معناه أنهما يبلغان إلى حالة الضعف ، والعجز فيصيران عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أول العمر واعلم أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر هذه الجملة ، كلف الإنسان في حق الوالدين خمسة أشياء : الأول قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } وهي كلمة تضجَّر وكراهية ، وقيل : إن أصل هذه الكلمة أنه إذا سقط عليك تراب أو رماد ، ونفخت فيه تزيله تقول : أف ثم إنهم توسعوا بذكر هذه الكلمة إلى كل مكروه يصل إليهم . والثاني : قوله { ولا تنهرهما } أي تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك يقال : نهره وانتهره بمعنى . فإن قلت : المنع من التأفيف أبلغ من المنع من الانتهار فما وجه الجمع قلت : المراد من قوله ولا تقل لهما أف المنع من إظهار الضجر بالقليل والكثير ، والمراد من قوله ولا تنهرهما ، المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد عليها . الثالث : قوله { وقل لهما قولاً كريماً } أي حسناً جميلاً ليناً كما يقتضيه حسن الأدب معهما ، وقيل : هو يا أماه يا أبتاه وقيل : لا يكنيهما وقيل : هو أن يقول لهم كقول العبد الذليل المذنب للسيد الفظ الغليظ . الرابع : قوله عز وجل { واخفض لهما جناح الذل } أي ألن لهما جناحك واخفضه لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه { من الرحمة } أي من الشفقة عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إليك ، كما كنت في حال الصغر مفتقراً إليهما . الخامس : قوله سبحانه وتعالى { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } أي وادع الله لهما أن يرحمهما برحمته الباقية ، وأراد به إذا كانا مسلمين فأما إذا كانا كافرين فإن الدعاء منسوخ في حقهما بقوله سبحانه وتعالى { ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } [ التوبة : 114 ] وقيل : يجوز الدعاء لهما بأن يهديهما الله إلى الإسلام فإذا هداهما فقد رحمهما . وقيل في معنى هذه الآية : إن الله سبحانه وتعالى بالغ في الوصية بهما حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته ، ثم شفعه بالإحسان إليهما ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تسوؤهما وأن يذل ، ويخضع لهما ثم ختمها بالأمر بالدعاء لهما والترحم عليهما . فصل في ذكر الأحاديث التي وردت في بر الوالدين ، ق عن أبي هريرة قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحبتي ؟ قال : أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فأدناك " م عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " رغم أنفه ، رغم أنفه قيل من يا رسول الله ؟ قال من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة " م عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه " ق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد : فقال : أحيّ والداك قال : نعم قال ففيهما فجاهد " وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رضا الرب من رضا الوالدين وسخط الرب في سخط الوالدين " أخرجه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً قال : هو أصح عن أبي الدرداء قال " فإن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه " أخرجه الترمذي . وقال حديث صحيح م " عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى قال الصلاة لوقتها قلت ، ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله تعالى " قوله سبحانه وتعالى { ربكم أعلم بما في أنفسكم } أي من بر الوالدين ، واعتقاد ما يجب لهما من التوقير ، عدم عقوقهما { إن تكونوا صالحين } أي أبراراً مطيعين قاصدين الصلاح والبر بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين ، أو غيرهما أو قبل فرط منكم في حال الغضب ، وعن حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر مما يؤدي إلى أذاهما ثم أنبتم إلى الله ، واستغفرتم مما فرط منكم { فإنه كان للأوابين } للتوابين { غفوراً } قال سعيد بن جبير في هذه الآية : هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ بهما . وقال سعيد بن المسيب : الأواب الذي يذنب ثم يتوب وعنه أنه الرجاع إلى الخير . وقال ابن عباس : الأواب الرجاع إلى الله فيما يحزنه ، وينوبه وعنه أنهم المسبحون . وقيل : هم المصلون وقيل هم الذين يصلون صلاة الضحى يدل عليه ما روي عن زيد بن أرقم . قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال " صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال " أخرجه مسلم . قوله : إذا رمضت الفصال يريد ارتفاع الضحى وأن تحمى الرمضاء وهو الرمل بحر الشمس فتبرك الفصال من الحر وشدة إحراقه أخفافها . والفصال جمع فصيل وهي أولاد الإبل الصغار وقيل : الأوّاب الذي يصلي بين المغرب والعشاء يدل عليه ما روي عن ابن عباس : إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء وهي صلاة الأوّابين .