Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 26-38)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله سبحانه وتعالى : { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } قيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله سبحانه وتعالى أن يؤتي أقاربه حقوقهم وقيل : إنه خطاب للكل وهو أنه سبحانه وتعالى ، وصى بعد بر الوالدين بالقرابة أن يؤتوا حقهم من صلة الرحم والمودة ، والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك وقيل إن كانوا محاويج ، وهو موسر لزمه الإنفاق عليهم وهو مذهب أبي حنيفة . وقال الشافعي رضي الله عنه : لا تلزم النفقة إلا لوالد على ولده أو ولد على والديه فحسب وقيل : أراد بالقرابة قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام على المسكين وابن السبيل { ولا تبذر تبذيراً } أي لاتنفق مالك في المعصية . وقيل : لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً ولو أنفق درهماً أو مداً في باطل كان مبذراً . وسئل ابن مسعود عن التبذير فقال : إنفاق المال في غير حقه . وقيل : هو إنفاق المال في العمارة على وجه السرف وقيل : إن بعضهم أنفق نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } يعني أولياءهم وأصدقاءهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف ، وقيل : أمثالهم في الشر وهذا غاية المذمة لأنه أشر من الشياطين ، والعرب تقول لكل من هو ملازم سنة قوم : هو أخوهم { وكان الشيطان لربه كفوراً } أي جحوداً للنعمة فما ينبغي أن يطاع لأنه يدعو إلى مثل عمله . قوله عز وجل { وإما تعرضن عنهم } نزلت في مهجع وبلال وصهيب وسالم وخباب كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ، ولا يجد فيعرض عنهم حياء منهم ويمسك عن القول فنزلت هذه الآية . والمعنى : وإن تعرض عن هؤلاء الذي أمرت أن تؤتيهم { ابتغاء رحمة من ربك ترجوها } أي انتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك { فقل لهم قولاً ميسوراً } أي ليناً جميلاً أي عدهم وعداً طيباً ، تطيب به قلوبهم . وقيل : هو أن يقول رزقنا الله وإياكم من فضله . قوله سبحانه وتعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } قال جابر : أتى صبي فقال يا رسول الله إن أمي تستكسيك درعاً ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قميصه فقال للصبي : من ساعة إلى ساعة يظهر كذا فعد إلينا وقتاً آخر فعاد إلى أمه فقالت : قل له إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً فأذن بلال بالصلاة ، وانتظره فلم يخرج فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم فرآه عرياناً فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك أي لا تمسك يدك عن النفقة في الحق والخير كالمغلولة يده لا يقدر على مدها { ولا تبسطها } أي بالعطاء { كل البسط } أي فتعطي جميع ما عندك . وقيل : هذا تمثيل لمنع الشحيح ، وإعطاء المسرف أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير { فتقعد ملوماً } أي عند الله لأن المسرف غير مرضي عنده ، وقيل ملوماً عند نفسك وأصحابك أيضاً يلومونك على تضييع المال بالكلية وقيل : يلومك سائلوك على الإمساك إذا لم تعطهم { محسوراً } أي منقطعاً لا شيء عندك تنفقه وقيل : محسوراً أي نادماً على ما فرط منك . ثم سلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يرهقه من الإضافة بأن ذلك ليس لهوان بك عليه ولا لبخل منه عليك فقال تعالى { إن ربك يبسط } أي يوسع { الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يقتر ويضيق ، وذلك لمصلحة العباد { إنه كان بعباده خبيراً بصيراً } يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأحوال جميع عباده ، وما يصلحهم فالتفاوت في أرزاق العباد ليس لأجل البخل بل لأجل رعاية مصالح العباد . قوله عز وجل { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } أي فاقة وفقر { نحن نرزقهم وإياكم } وذلك أن أهل الجاهلية ، كانوا يئدون بناتهم خشية الفاقة أو يخافون عليهم من النهب والغارات ، أو أن ينكحوهن لغير أكفاء لشدة الحاجة وذلك عار شديد عندهم فنهاهم الله عن قتلهن وقال نحن نرزقهم وإياكم ، يعني أن الأرزاق بيد الله فكما أنه فتح أبواب الرزق على الرجال فكذلك يفتحه على النساء { إن قتلهم كان خطئاً كبيراً } أي إثماً كبيراً { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } أي قبيحة زائدة على حد القبح { وساء سبيلاً } أي بئس طريقاً طريقه ، وهو أن تغصب امرأة غيرك أو أخته أو بنته من غير سبب والسبب ممكن وهو الصهر الذي شرعه الله تعالى قيل : إن الزنا يشتمل على أنواع من المفاسد منه المعصية وإيجاب الحد على نفسه ومنها اختلاط الأنساب فلا يعرف الرجل ولد من هو ولا يقوم أحد بتربيته وذلك يوجب ضياع الأولاد ، وانقطاع النسل وذلك يوجب خراب العالم . قوله عز وجل { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } الأصل في القتل هو الحرمة المغلظة ، وحل القتل إنما ثبت بسبب عارض ، فلما كان كذلك نهى الله عن القتل على حكم الأصل ثم استثنى الحالة التي يحصل فيها حل القتل ، وهي الأسباب العرضية فقال إلا بالحق أي إلا بإحدى ثلاث كما روي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " أخرجاه في الصحيحين { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سطاناً } أي قوة وولاية على القاتل بالقتل وقيل : سطانه هو أنه يتخير فإن شاء استقاد منه وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا { فلا يسرف في القتل } أي الولي قال ابن عباس : لا يقتل غير القاتل وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتل أشرف منه . وقيل معناه إذا كان القتيل واحداً فلا يقتل به جماعة بل بواحد وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفاً فلا يرضون بقتل القاتل وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه ، وقيل معناه أن لا يمثل بالقاتل { إنه كان منصوراً } قيل الضمير راجع للمقتول ظلماً يعني أنه منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله ، وقيل : الضمير راجع إلى ولي المقتول معناه : إنه كان منصوراً على القاتل باستيفاء القصاص منه أو الدية وقيل في قوله : فلا يسرف في القتل أراد به القاتل المعتدي بالقتل بغير الحق فإنه إن فعل ذلك فولي القتيل منصور عليه باستيفاء القصاص منه . قوله سبحانه وتعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } أي الطريقة التي هي أحسن ، وهي تنميته وحفظه عليه { حتى يبلغ أشده } وهو بلوغ النكاح والمراد ببلوغ الأشد كمال عقله ورشده بحيث يمكنه القيام بمصالح ماله ، وإلا لم ينفك عنه الحجر { وأوفوا بالعهد } أي الإتيان بما أمر الله والانتهاء عما نهي عنه وقيل : أراد بالعهد ما يلتزمه الإنسان على نفسه { إن العهد كان مسؤولاً } أي عنه وقيل مطلوباً وقيل : العهد يسأل فيقال فيم نقضت كالموؤدة تسأل فيم قتلت . قوله عز وجل { وأفوا الكيل إذا كلتم } المراد منه إتمام الكيل { وزنوا بالقسطاس المستقيم } قيل هو ميزان صغيراً كان أو كبيراً ، من ميزان الدراهم إلى ما هو أكبر منه وقيل : هو القبان قيل هو رومي وقيل : سرياني والأصح أنه عربي مأخوذ من القسط وهو العدل أي وزنوا بالعدل المستقيم ، واعلم أن التفاوت الحاصل بسبب نقصان الكيل والوزن قليل والوعيد الحاصل عليه شديد عظيم ، فوجب على العاقل الاحتراز عنه وإنما الوعيد فيه لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء ، فالشارع بالغ في المنع من التطفيف والنقصان ، سعياً في إبقاء الأموال على أربابها { ذلك خير وأحسن تأويلاً } أي أحسن عاقبة من آل إذا رجع ، وهو ما يؤول إليه أمره . قوله سبحانه وتعالى { ولا تقفُ } أي ولا تتبع { ما ليس لك به علم } أي لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم . وقيل : معناه لا ترم أحداً بما ليس لك به علم وقيل لا يتبعه بالحدس والظن وقيل : هو مأخوذ من القفا كأنه يقفو الأمور ، ويتتبعها ويتعرفها والمراد أنه لا يتكلم في أحد بالظن { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } معناه يسأل المرء عن سمعه وبصره وفؤاده ، وقيل يسأل السمع البصر والفؤاد ، عما فعله المرء فعلى هذا ترجع الإشارة في أولئك إلى الأعضاء ، وعلى القول الأول ترجع إلى أربابها . " عن شكل بن حميد قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله علمني تعويذاً أتعوذ به قال : فأخذ بيدي ثم قال : " قل أعوذ بك من شر سمعي وشر بصري وشر فؤادي وشر لساني وشر قلبي وشر منيي قال فحفظتها " " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي . وقال حديث حسن غريب . قوله : وشر منيي يعني ماءه وذكره . قوله عز وجل { ولا تمش في الأرض مرحاً } أي بطراً وكبراً وخيلاء { إنك لن تخرق الأرض } أي لن تقطها بكبرك حتى تبلغ آخرها { ولن تبلغ الجبال طولاً } أي لا تقدر أن تطاول الجبال ، وتساويها بكبرك والمعنى أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئاً كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال ، لا يحصل على شيء . وقيل : إن الذي يمشي مختالاً يمشي مرة على عقبيه ، ومرة على صدور قدميه فقيل له : إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك ولن تبلغ الجبال طولاً إن مشيت على صدور قدميك . عن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤاً كأنما ينحط من صبب . أخرجه الترمذي في الشمائل . قوله تكفؤاً : التكفؤ التمايل في المشي إلى قدام ، وقوله كأنما ينحط من صبب هو قريب من التكفؤ أي كأنه ينحدر من موضع عال ، عن أبي هريرة قال : ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحداً أسرع من مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له إنا لنجهد أنفسنا . وإنه لغير مكترث . أخرجه الترمذي . قوله : لغير مكترث أي شاق والاكتراث الأمر الذي يشق على الإنسان { كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروهاً } أي ما ذكر من الأمور التي نهى الله عنها فيما تقدم . فإن قلت : كيف قيل : سيئة مع قوله مكروهاً ؟ قلت : قيل فيه تقديم وتأخير تقديره كل ذلك كان مكروهاً سيئة عند ربك وقوله : مكروهاً على التكرير لا على الصفة أي كل ذلك كان سيئة وكان مكروهاً وقيل إنه يرجع إلى المعنى دون اللفظ ، لأن السيئة الذنب وهو مذكر .