Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 47-57)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ نحن أعلم بما يستمعون به } أي من الهزء بك وبالقرآن وقيل : معناه نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو التكذيب { إذ يستمعون إليك } أي وأنت تقرآ القرآن { وإذ هم نجوى } أي بما يتناجون به في أمرك ، وقيل : معناه ذوو نجوى بعضهم يقول : هو مجنون وبعضهم يقول هو كاهن وبعضهم يقول ساحر أو شاعر { إذ يقول الظالمون } يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً } أي مطبوباً وقيل مخدوعاً وقيل : معناه أنه سحر فجن . وقيل : هو من السحر وهو الرئة ، ومعناه أنه بشر مثلكم يأكل ويشرب قال الشاعر : @ أرانا موضعين لأمر غيب ونسخر بالطعام وبالشراب @@ أي يغذى بهما { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } أي الأشباه فقالوا : ساحر شاعر كاهن مجنون { فضلّوا } أي في جميع ذلك وحاروا { فلا يستطيعون سبيلاً } أي إلى طريق الحق { وقالوا أئذا كنا عظاماً } أي بعد الموت { ورفاتاً } أي تراباً وقيل : الرفات هي الأجزاء المتفتتة من كل شيء تكسر { أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً } فيه أنهم استبعدوا الإعادة بعد الموت والبلى . فقال سبحانه وتعالى رداً عليهم { قل } أي قل يا محمد { كونوا حجارة } أي في الشدة { أو حديداً } أي في القوة وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيزي أي استشعروا في قلوبكم ، أنكم حجارة أو حديد في القوة { أو خلقاً مما يكبر في صدوركم } قيل : يعني السماء والأرض والجبال لأنها أعظم المخلوقات . وقيل : يعني به الموت لأنه لا شيء في نفس ابن آدم أكبر من الموت ، ومعناه لو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم { فسيقولون من يعيدنا } أي من يبعثنا بعد الموت { قل الذي فطركم } أي خلقكم { أول مرة } فمن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة { فسينغضون إليك رؤوسهم } أي يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بما تقول { ويقولون متى هو } يعني البعث والقيامة { قل عسى أن يكون قريباً } أي هو قريب { يوم يدعوكم } أي من قبوركم إلى موقف القيامة { فتستجيبون بحمده } قال ابن عباس : بأمره وقيل بطاعته وقيل مقرين بأنه خالقهم وباعثهم ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد ، وقيل : هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين { وتظنون إن لبثتم } أي في الدنيا وقيل في القبور { إلا قليلاً } وذلك لأن الإنسان لو مكث في الدنيا وفي القبر ألوفاً من السنين ، عد ذلك قليلاً بنسبة مدة القيامة والخلود في الآخرة ، وقيل : إنهم يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة . قوله سبحانه وتعالى { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المسلمين ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل . وقل لعبادي يقولوا يعني للكفار التي هي أحسن ، أي لا يكافئوهم على سفههم بل يقولون لهم يهديكم الله وكان هذا قبل الإذن في القتال والجهاد . وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أنه شتمه بعض الكفار ، فأمره الله بالعفو . وقيل : أمر الله المؤمنين أن يقولوا ويفعلوا الخلة التي هي أحسن وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله { إن الشيطان ينزغ بينهم } أي يفسد ويلقي العداوة بينهم { إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً } أي ظاهر العداوة . قوله عز وجل : ربكم أعلم بكم { إن شاء يرحمكم } أي يوفقكم للإيمان فتؤمنوا { أو إن يشأ يعذبكم } أي يميتكم على الشرك فتعذبوا ، وقيل معناه إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة ، وإن يشأ يعذبكم أي يسلطهم عليكم { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } أي حفيظاً وكفيلاً قيل : نسختها آية القتال { وربك أعلم بمن في السموات والأرض } يعني أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات والمعدومات ومتعلق بجميع ذات الأرضين والسموات ، ويعلم حال كل أحد ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد وقيل : معناه أنه عالم بأحوالهم واختلاف صورهم وأخلاقهم ومللهم وأديانهم { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } وذلك أنه اتخذ إبراهيم خليلاً وكلم موسى تكليماً ، وقال لعيسى : كن فكان وآتى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده وآتى داود زبوراً وذلك قوله تعالى { وآتينا داود زبوراً } وهو كتاب أنزله الله على داود يشتمل على مائة وخمسون سورة ، كلها دعاء وثناء على الله تعالى وتحميد وتمجيد ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود ولا أحكام . فإن قلت : لم خص داود في هذه الآية بالذكر دون غيره من الأنبياء ؟ قلت : فيه وجوه : أحدها أن الله ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض ثم قال تعالى : وآتينا داود زبوراً وذلك أن داود أعطي من النبوة الملك ، فلم يذكره بالملك وذكر ما آتاه من الكتاب تنبيهاً على أن الفضل المذكور في هذه الآية المراد به العلم لا الملك والمال . الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى كتب له في الزبور أن محمداً خاتم الأنبياء ، وأن أمته خير الأمم فلهذا خصه بالذكر . الوجه الثالث : أن اليهود زعمت أن لا نبي بعد موسى ، ولا كتاب بعد التوراة فكذبهم الله بقوله : وآتينا داود زبوراً ومعنى الآية أنكم لن تنكروا تفضيل النبيين ، فكيف تنكرون تفضيل النبي صلى الله عليه سلم وإعطاءه القرآن وأن الله آتى موسى التوراة ، وداود الزبور وعيسى الأنجيل فلم يبعد أن يفضل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء } وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . قوله عز وجل { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه } وذلك أن الكفار أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجيف ، فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم فقال الله عز وجل : قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه { فلا يملكون كشف الضر عنكم } أي الجوع والقحط { ولا تحويلاً } أي إلى غيركم أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر ، ومقصود الآية الرد على المشركين ، حيث قالوا ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله فنحن المقربين إليه ، وهم الملائكة . ثم إنهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالاً وصورة وقد اشتغلوا بعبادته فاحتج على بطلان قولهم بهذه الآية وبين عجز آلهتهم ثم قال تعالى { أولئك الذين يدعون } أي الذين يدعون المشركون آلهة { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } أي القربة والدرجة العليا . قال ابن عباس : هم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم . وقال عبد الله بن مسعود : نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن فأسلم أولئك الجن ، ولم يعلم الإنس بذلك فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية . قوله تعالى { أيهم أقرب } معناه ، ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به ، وقيل : أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله ، ويتقرب إليه بالعمل الصالح وازدياد الخير والطاعة { ويرجون رحمته } أي جنته { ويخافون عذابه } وقيل : معناه يرجون ويخافون كغيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة { إن عذاب ربك كان محذوراً } أي حقيقاً بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب ، ونبي مرسل فضلاً عن غيرهم من الخلائق .