Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 39-46)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه وتعالى : { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من الأوامر والنواهي في هذه الآيات { مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي إن الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع الأديان والملل لا تقبل النسخ والإبطال فكانت محكمة وحكمة بهذا الاعتبار . وقيل : إن حاصل هذه الآيات يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع البر والطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة وذلك من الحكمة . قيل : إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها : ولا تجعل مع الله إلهاً آخر . قال الله سبحانه وتعالى وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ، واعلم أن الله سبحانه وتعالى : افتتح هذه الآيات بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك وختمها به ، والمقصود منه التنبيه على أن كل قول وعمل يجب أن يكرر في التوحيد لأنه رأس كل حكمة ، وملاكها ومن عدمه لم ينفعه شيء ثم إنه سبحانه وتعالى ذكر في الآية الأولى أن الشرك يجب أن يكون صاحبه مذموماً مخذولاً وقال في هذه الآية { ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً } والفرق بين المذموم والملوم أما كونه مذموماً فمعناه ، أن يذكر له أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر فهذا معنى كونه مذموماً ثم يقال له : لم فعلت هذا الفعل القبيح وما الذي حملك عليه ، وهذا هو اللوم والفرق بين المخذول والمدحور أن المخذول هو الضعيف الذي لا ناصر له ، والمدحور هو المبعد المطرود عن كل خير . قوله سبحانه وتعالى { أفأصفاكم ربكم } يعني أفخصكم واختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة { بالبنين } يعني اختصكم بأفضل الأولاد وهم البنون { واتخذ من الملائكة إناثاً } لأنهم كانوا يقولون : الملائكة بنات الله مع علمهم بأن الله سبحانه وتعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له وهذا يدل على نهاية جعل القائلين بهذا القول { إنكم لتقولون قولاً عظيماً } يخاطب مشركي مكة يعني بإضافتهم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام ، ثم إنهم يفضلون عليه أنفسهم حيث يجعلون له ما يكرهون لأنفسهم يعني البنات . قوله سبحانه وتعالى { ولقد صرفنا في هذا القرآن } يعني العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام والتشديد في صرفنا للتكثير والتكرير { ليذكروا } أي ليتعظوا ويعتبروا { وما يزيدهم } أي تصريفنا وتذكيرنا { إلا نفوراً } أي تباعداً عن الحق { قل } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين { لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا } أي لطلبوا يعني هؤلاء الآلهة { إلى ذي العرش سبيلاً } أي بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض . وقيل : معناه لتقربوا إليه . وقيل : معناه لتعرفوا إليه فضله فابتغوا ما يقربهم إليه والأول أصح ، ثم نزه نفسه فقال عز وجل { سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً } معنى وصفه بذلك المبالغة في البراءة والبعد عما يصفونه . قوله عز وجل { تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن } يعني الملائكة والإنس والجن { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال ابن عباس : وإن من شيء حي إلا يسبح . وقيل : جميع الحيوانات والنباتات . قيل : إن الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح . وقيل : إن التراب يسبح ما لم يبتل ، فإذا ابتل ترك التسبيح ، وإن الخرزة تسبح ما لم ترفع من موضعها ، فإذا رفعت تركت التسبيح . وإن الورقة تسبح ما دامت على الشجرة ، فإذا سقطت تركت التسبيح ، وإن الماء يسبح ما دام جارياً فإذا ركد ترك التسبيح وإن الثوب يسبح ما دام جديداً فإذا اتسخ ترك التسبيح وإن الوحش والطير لتسبح إذا صاحت ، فإذا سكتت تركت التسبيح وإن من شيء جماد أو حيّ إلا يسبح بحمده حتى صرير الباب ونقيض السقف وقيل : كل الأشياء تسبح الله حيواناً كان أو جماداً وتسبيحها : سبحان الله وبحمده ، ويدل على ذلك ما روي " عن ابن مسعود قال : كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفاً كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال : " اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه قليل ، فأدخل يده صلى الله عليه وسلم في الإناء ثم قال : حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله " . فقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " أخرجه البخاري م عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن بمكة حجراً كان يسلم علي ليالي بعثت وإني لأعرفه الآن " خ عن ابن عمر قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح بيده عليه " وفي رواية " فنزل فاحتضنه وسارَّه بشيء " ففي هذه الأحاديث دليل على أن الجماد يتكلم وأنه يسبح ، وقال بعض أهل المعاني : تسبيح السموات والأرض ، والجمادات والحيوانات سوى العقلاء بلسان الحال ، بحيث تدل على الصانع وقدرته ولطيف حكمته فكأنها تنطق بذلك ، ويصير لها بمنزلة التسبيح والقول الأول أصح كما دلت عليه الأحاديث ، وأنه منقول عن السلف . واعلم أن لله تعالى علماً في الجمادات لا يقف عليه غيره فينبغي أن نكل علمه إليه . وقوله تعالى { ولكن لا تفقهون تسبيحهم } أي لا تعلمون ولا تفهمون تسبيحهم ، ما عدا من يسبح بلغتكم ولسانكم { إنه كان حليماً غفوراً } أي حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وجهلكم بالتسبيح . قوله عز وجل { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } أي يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به ، وقيل : معناه مستوراً عن أعين الناس فلا يرونه كما روي عن سعيد بن جبير أنه قال : " لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب معها حجر والنبي صلى لله عليه وسلم مع أبي بكر فلم تره فقالت لأبي بكر : أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني فقال لها أبو بكر والله ما ينطق بالشعر ، ولا يقوله فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه فقال أبو بكر : ما رأتك يا رسول الله . قال : " لا لم يزل ملك بيني وبينها " " { وجعلنا على قلوبهم أكنة } أي أغطية { أن يفقهوه } أي لئلا يفهموه { وفي آذانهم وقراً } أي ثقلاً لئلا يسمعوه { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده } يعني إذا قلت لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن { ولَّوا على أدبارهم نفوراً } جمع نافر .