Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-88)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه وتعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } ق عن عبد الله بن مسعود قال : بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . وقال بعضهم : لا تسألوه يسمعكم ما تكرهون فقاموا إليه ، وفي رواية ، فقام إليه رجل منهم فقال : يا أبا القاسم ما الروح ؟ فسكت وفي رواية ، فقالوا حدثنا عن الروح ، فقام ساعة ينتظر الوحي ، وعرفت أنه يوحى إليه فتأخرت حتى صعد الوحي قال : ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر بي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً . فقال بعضهم لبعض : قد قلنا لكم لا تسألوه . وفي رواية وما أتوا من العلم إلا قليلاً . قال الأعمش هكذا في قراءتنا . العسيب : جريد النخل وسعفه . وقال ابن عباس : إن قريشاً اجتمعوا وقالوا إن محمداً نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب قط ، وقد ادعى ما ادعى فابعثوا نفراً إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب ، فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها ، أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي وإن أجاب عن اثنتين ولم يجب عن واحد فهو نبي فسألوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان شأنهم ، فإنه كان لهم حديث عجيب ، وعن رجل بلغ مشرق الأرض ومغربها ما خبره وعن الروح قال فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أخبركم بما سألتم غداً ، ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي . قال مجاهد : اثني عشر يوماً وقيل : خمسة عشر يوماً وقيل أربعين يوماً وأهل مكة يقولون : قد وعدنا محمداً غداً وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء ، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي وشق عليه ما يقوله أهل مكة ثم نزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } [ الكهف : 23 - 24 ] ونزل في الفتية { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } [ الكهف : 9 ] نزل فيم بلغ المشرق والمغرب ، قوله { ويسألونك عن ذي القرنين } [ الكهف : 83 ] ونزل في الروح { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } واختلفوا في الذي وقع السؤال عنه ، فروي عن ابن عباس أنه جبريل وعن علي أنه ملك له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بكلها . وقال مجاهد : خلق على صورة بني آدم ، لهم أيد وأرجل ورؤوس ليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام . وقال سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقاً أعظم من الروح غير العرش لو شاء أن يبتلع السموات والأرض ومن فيها بلقمة واحدة لفعل ذلك صورة خلقه على صورة الملائكة ، وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين ، يقوم يوم القيامة على يمين العرش ، وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى اليوم عند الحجب السبعين وأقرب الخلق إلى الله يوم القيامة وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ، ولولا أن بينه وبين الملائكة ستراً من نور لاحترق أهل السموات من نوره . وقيل : الروح هو القرآن لأن الله سماه روحاً ولأن به حياة القلوب . وقيل : هو الروح المركب في الخلق الذي به يحيى الإنسان وهو أصح الأقوال . وتكلم قوم في ما هية الروح فقال بعضهم : هو الدم ألا ترى أن الإنسان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم . وقال قوم : هو نفس الحيوان بدليل أنه يموت باحتباس النفس . وقال قوم : هو عرض . وقال قوم : هو جسم لطيف يحيا به الإنسان . وقيل : الروح معنى اجتمع فيه النور الطيب والعلم والعلو والبقاء ، ألا ترى أنه إذا كان موجوداً يكون الإنسان موصوفاً بجميع هذه الصفات إذا خرج منه ذهب الكل . وأقاويل الحكماء والصوفية في ما هية الروح كثيرة ، وليس هذا موضع استقصائها وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله عز وجل هو قول أهل السنة قال عبد الله بن بريدة : إن الله لم يطلع على الروح ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً بدليل قوله : قل الروح من أمر ربي أي من علم ربي الذي استؤثر به { وما أوتيتم من العلم } من علم ربي { إلا قليلاً } أي في جنب علم الله عز وجل الخطاب عام . وقيل : هو خطاب لليهود فإنهم كانوا يقولون : أوتينا التوراة وفيها العلم الكثير ، فقيل لهم : إن علم التوراة قليل في جنب علم الله . وقيل إن القلة والكثرة تدوران مع الإضافة فوصف الشيء بالقلة مضافاً إلى ما فوقه ، وبالكثرة مضافاً إلى ما تحته وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم علم معنى الروح ولكن لم يخبر به لأن ترك الإخبار به كان علماً لنبوته . والقول الأصح هو أن الله عز وجل استأثر بعلم الروح . قوله عز وجل { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } ومعناه أنا كما منعنا علم الروح عنك وعن غيرك ، إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف ، فلم نترك له أثراً وبقيت كما كنت ما تدري ما الكتاب { ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً } معناه لا تجد بعد الذهاب به من يتوكل علينا باسترداده عليك ، وإعادته محفوظاً مستوراً { إلا رحمة من ربك } معناه إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك وقيل هو على الاستثناء المنقطع . معناه لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ، وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظاً ، فإن قلت كيف يذهب بالقرآن وهو كلام الله عز وجل ؟ قلت : المراد منه محو ما في المصاحف وإذهاب ما في الصدور وقال عبد الله بن مسعود : " اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع " قيل : هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الناس قال : يسرى عليه ليلاً فيرفع ما في صدورهم فيصبحون لا يحفظون شيئاً ، ولا يجدون مما في المصاحف شيئاً ثم يفيضون في الشعر وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال " لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث نزل . له دوي حول العرش كدوي النحل ، فيقول الرب : ما لك ؟ فيقول : يارب أُتلى ولا يُعمل بي " { إن فضله كان عليك كبيراً } أي بسبب بقاء العلم والقرآن عليك وجعلك سيد ولد آدم ، وختم النبيين بك وإعطائك المقام المحمود . قوله سبحانه وتعالى { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } أي لا يقدرون على ذلك { ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } أي عوناً . نزلت حين قال المشركون : لو نشاء لقلنا مثل هذا فكذبهم الله عز وجل ، فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب ، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق لأنه كلام الخالق وهو غير مخلوق ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله .