Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 109-110)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { ود كثير من أهل الكتاب } نزلت هذه الآية في نفر من اليهود ، وذلك أنهم قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد : لو كنتم على الحق ما هربتم فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلاً منكم ، فقال عمار بن ياسر : كيف نقض العهد فيكم قالوا شديد قال : إني عاهدت أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت قالت اليهود ، أما هذا فقد صبأ ، وقال حذيفة : أما أنا فقد رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً . ثم إنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك ، فقال : أصبتما الخير وأفلحتما فأنزل الله تعالى : { ود } أي تمنى كثير من أهل الكتاب يعني اليهود { لو يردونكم } أي يا معشر المؤمنين { من بعد إيمانكم كفاراً } أي ترجعون إلى ما كنتم عليه من الكفر { حسداً } أي يحسدونكم حسداً وأصل الحسد تمني زوال النعمة عمن يستحقها ، وربما يكون مع ذلك سعي في إزالتها ، والحسد مذموم لما روي عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب " أخرجه أبو داود ، فإذا أنعم الله على عبده نعمة فتمنى آخر زوالها عنه ، فهذا هو الحسد وهو حرام فإن استعان بتلك النعمة على الكفر ، والمعاصي فتمنى آخر زوالها عنه فليس بحسد ، ولا يحرم ذلك لأنه لم يحسده على تلك النعمة ، من حيث إنها نعمة بل من حيث إنه يتوصل بتلك النعمة إلى الشر والفساد وقوله : { من عند أنفسهم } أي من تلقاء انفسهم لم يأمرهم الله بذلك { من بعد ما تبين لهم الحق } يعني في التوراة أن قول محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ، حق لا يشكون فيه فكفروا به حسداً وبغياً { فاعفوا واصفحوا } أي فتجاوزوا عما كان منهم من إساءة وحسد وكان هذا الأمر بالعفو ، والصفح قبل أن يؤمر بالقتال { حتى يأتي الله بأمره } أي بعذابه وهو القتل والسبي لبني قريظة والإجلاء والنفي لبني النضير قال ابن عباس : هو أمر الله له بقتالهم في قوله : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [ التوبة : 29 ] الآية { إن الله على كل شيء قدير } فيه وعيد وتهديد لهم { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } لما أمر الله المؤمنين بالعفو والصفح عن اليهود أمرهم بما فيه صلاح أنفسهم من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة الواجبتين ، ونبه بذلك على سائر الواجبات ثم قال تعالى : { وما تقدموا لأنفسكم من خير } أي من طاعة وعمل صالح ، وقيل أراد بالخير المال يعني صدقة التطوع ، لأن الزكاة تقدم ذكرها { تجدوه عند الله } يعني ثوابه وأجره حتى التمرة واللقمة مثل أحد { إن الله بما تعملون بصير } أي لا يخفى شيء من قليل الأعمال ، وكثيرها ففيه ترغيب في الطاعات ، وأعمال البر وزجر عن المعاصي .