Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 32, Ayat: 17-26)

Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } أي مما تقربه أعينهم فلا يلتفتون إلى غيره قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له وقيل أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم { جزاء بما كانوا يعملون } أي من الطاعات في دار الدنيا ق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرؤوا إن شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفي لم من قرة أعين " قوله تعالى { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد لعلي اسكت فإنك صبي وأنا شيخ وإني أبسط منك لساناً ، وأحد منك سناناً وأشجع منك جناباً وأملأ منك حشواً في الكتيبة ، فقال له علي اسكت فإنك فاسق ، فأنزل الله هذه الآية وقوله لا يستوون أراد جنس المؤمنين وجنس الفاسقين ولم يرد مؤمناً واحداً ولا فاسقاً واحداً { أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى } أي التي يأوي إليها المؤمنون { نزلاً } هو ما يهيأ للضيف عند نزوله { بما كانوا يعملون } يعني من الطاعات في دار الدنيا { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } . قوله تعالى : { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } أي سوى العذاب الأكبر ، قال ابن عباس العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها ، وعنه أنه الحدود وقيل هو الجوع بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب سبع سنين ، وقال ابن مسعود هو القتل بالسيف يوم بدر والأكبر هو عذاب جهنم { لعلهم يرجعون } أي إلى الإيمان يعني من بقي منهم بعد القحط وبعد بدر { ومن أظلم } أي لا أحد أظلم { ممن ذكر بآيات ربه } أي بدلائل وحدانيته وإنعامه عليه { ثم أعرض عنها } أي ترك الإيمان بها { إنا من المجرمين } يعني المشركين { منتقمون } معناه أنهم لما لم يرجعوا بالعذاب الأدنى فإنا منهم منتقمون بالعذاب الأكبر . قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب } أي التوراة { فلا تكن في مرية } أي في شك { من لقائه } أي من لقاء موسى ليلة المعراج ، قاله ابن عباس ق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة وإلى البياض سبط الشعر ، ورأيت مالكاً خازن النار ، والدجال في آيات أراهن الله أياه فلا تكن في مرية من لقائه " م عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتيت على موسى ليلة المعراج ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره " فإن قلت قد صح في حديث المعراج أنه رآه في السماء السادسة عند مراجعته في الصلوات فكيف الجمع بين هذين الحديثين . قلت يحتمل أن تكون رؤيته في قبره عند الكثيب الأحمر كان قبل صعوده إلى السماء وذلك في طريقه إلى بيت المقدس ، ثم لما صعد على السماء السادسة وجده هناك قد سبقه لما يريد الله عز وجل وهو على كل شيء قدير . فإن قلت كيف تصح منه الصلاة في قبره وهو ميت وقد سقط عنه التكليف وهو في دار الآخرة وليست دار عمل . وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الأنبياء وهم يحجون فما الجواب عن هذا ؟ قلت يجاب عنه بأجوبة أحدها : أن الأنبياء كالشهداء بل هم أفضل منهم والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، فلا يبعد أن يحجوا أو يصلوا كما صح في الحديث وأن يتقربوا إلى الله بما استطاعوا وإن كانوا قد ماتوا لأنهم بمنزلة الأحياء في هذه الدار التي هي دار العمل ، إلى أن تفنى ثم يرحلون إلى دار الجزاء التي هي الجنة . الجواب الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم رأى حالهم الذي كانوا عليه في حياتهم ومثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وصلاتهم . الجواب الثالث : أن التكليف وإن ارتفع عنهم في الآخرة لكن الذكر والشكر والدعاء لا يرتفع ، قال الله تعالى { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام } [ يونس : 10 ] وقال صلى الله عليه وسلم " يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس " فالعبد يعبد ربه في الجنة أكثر مما كان يعبده في الدنيا وكيف لا يكون ذلك وقد صار حاله مثل حال الملائكة والذين قال الله في حقهم { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [ الأَنبياء : 20 ] ، غاية ما في الباب أن العبادة ليست عليهم بتكليف بل هي على مقتضى الطبع والله أعلم ، وقيل في قوله { فلا تكن في مرية من لقائه } أي تلقى موسى كتاب الله بالرضا والقبول { وجعلناه } أي الكتاب { هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم } أي من بني إسرائيل { أئمة } أي قادة للخير يقتدى بهم وهم الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل وقيل هم أتباع الأنبياء { يهدون بأمرنا } يعني يدعون الناس إلى طاعتنا { لما صبروا } يعني على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر { وكانوا بآياتنا يوقنون } يعني أنها من الله تعالى { إن ربك هو يفصل } أي يقضي ويحكم { بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } قيل هم الأنبياء وأممهم وقيل هم المؤمنون والمشركون قوله تعالى { أو لم يهد لهم } أي نبين لهم { كم أهلكنا } يعني كثرة من أهلكنا { من قبلهم من القرون } يعني الأمم الخالية { يمشون في مساكنهم } يعني أهل مكة يسيرون في بلادهم ومنازلهم إذا سافروا { إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون } يعني آيات الله ومواعظه فيتعظون بها .