Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 22-29)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وجوه يومئذ } أي يوم القيامة { ناضرة } من النضارة ، وهي الحسن قال ابن عباس : حسنة وقيل مسرورة بالنعيم ، وقيل ناعمة ، وقيل مسفرة مضيئة ، وقيل بيض يعلوها نور وبهاء وقيل مشرقة بالنعيم . { إلى ربها ناظرة } قال ابن عباس وأكثر المفسرين : تنظر إلى ربها عياناً بلا حجاب قال الحسن حق لها أن تنظر وهي تنظر إلى الخالق سبحانه وتعالى ، وروي عن مجاهد وأبي صالح أنهما فسرا النّظر في هذه الآية بالانتظار قال مجاهد تنتظر من ربها ما أمر لها به وقال أبو صالح : تنتظر الثّواب من ربها ، قال الأزهري : ومن قال إن معنى قوله { إلى ربها ناظرة } بمعنى منتظرة فقد أخطأ لأن العرب لا تقول نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته إنما تقول نظرت فلاناً أي انتظرته ومنه قول الحطيئة : @ وقد نظرتكم أعشاء صادرة للورد طال بها حوري وتنساسي @@ فإذا قلت نظرت إليه لم يكن إلا بالعين ، وإذا قلت نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكر فيه وتدبر بالقلب ، وهذا آخر كلامه ويشهد لصحة هذا أن النظر الوارد في التّنزيل بمعنى الانتظار كثير ولم يوصل في موضع بإلى كقوله { انظرونا نقتبس من نوركم } [ الحديد : 13 ] وقوله { هل ينظرون إلا تأويله } [ الأَعراف : 53 ] { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } [ البقرة : 210 ] والوجه إذا وصف بالنظر وعدي بإلى لم يحتمل غير الرؤية ، وأما قوله أنظر إلى الله ثم إليك على معنى أتوقع فضل الله ثم فضلك ، فيكون النّظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب إنما يجوز هذا إذا لم يسند إلى الوجه ، فإذا أسند النظر إلى الوجه لم يحتمل نظر القلب ، ولا انتظار وإذا بطل المعنيان لم يبق لبقاء الرّؤية كلام وإن شق ذلك عليهم ، والأحاديث الصحيحة تعضد قول من فسر النظر في هذه الآية بالرؤية وسنذكرها إن شاء الله تعالى . فصل : في إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه وتعالى في الآخرة قال علماء أهل السنة رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً ، وأجمعوا على وقوعها في الآخرة ، وأن المؤمنين يرون الله سبحانه ، وتعالى دون الكافرين بدليل قوله تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [ المطففين : 15 ] وزعمت طوائف من أهل البدع كالمعتزلة والخوارج ، وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه ، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً ، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح ، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ، فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى ، وقد رواها نحو من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآيات القرآن فيها مشهورة ، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبتها مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة ، وكذلك باقي شبههم وأجوبتها مشهورة مستفاضة في كتب الكلام ، وليس هذا موضع ذكرها ، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله في خلقه ، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ، ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك . وأما الأحاديث الواردة في إثبات الرّؤية فمنها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه ، وأزواجه ، ونعيمه وخدمه ، وسروره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } " أخرجه التّرمذي وقال : هذا حديث غريب ، وقال : وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ولم يرفعه ق " عن جرير بن عبد الله قال " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر ، وقال إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشّمس ، وقبل الغروب " قوله " لا تضامون " روي بفتح التاء وتشديد الميم وقد تضم التاء مع التّشديد أيضاً ومعناه لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا تزدحمون وقت النظر إليه ، وروي بتخفيف الميم ومعناه لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض وقوله : " إنكم ترون ربكم عياناً كما ترون القمر " معناه تشبيه الرّؤية بالرّؤية في الوضوح وزوال الشّك والمشقة لا تشبيه المرئي بالمرئي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه " أن أناساً قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تضارون في القمر ليلة البدر ، قالوا : لا يا رسول الله قال : هل تضارون في الشّمس ليس دونها سحاب ، قالوا : لا يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكم سترونه كذلك " أخرجه أبو داود وأخرجه التّرمذي . وليس عنده في أوله أن أناساً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قوله ليس دونها سحاب . قال الترمذي وقد روي مثل هذا الحديث عن أبي سعيد وهو صحيح ، وهذا الحديث طرف من حديث طويل قد أخرجه البخاري ومسلم ، ومعنى تضارون وتضامون واحد . عن أبي رزين العقيلي قال : " قلت يا رسول الله أكلنا يرى ربه مخلياً به يوم القيامة ؟ قال نعم قلت وما آية ذلك في خلقه ؟ قال يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر ليلة البدر مخلياً به قلت بلى قال : فالله أعظم إنما هو خلق من خلق الله يعني القمر فالله أجل وأعظم " أخرجه أبو داود م عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى " والأحاديث في الباب كثيرة وهذا القدر كاف والله أعلم . قوله عز وجل : { ووجوه يومئذ باسرة } أي عابسة كالحة متغيرة مسودة قد أظلمت ألوانها ، وعدمت آثار النعمة ، والسرور منها لما أدركها من اليأس من رحمة الله تعالى : وذلك حين يميز بين أهل الجنة والنار { تظن } أي تستيقن والظّن هنا بمعنى اليقين { أن يفعل بها فاقرة } أن يفعل بهم أمر عظيم من العذاب والفاقرة الدّاهية العظيمة والأمر الشّديد الذي يكسر فقار الظهر ويقصمه وقيل الفاقرة دخول النار ، وقيل هي أن تحجب تلك الوجوه عن رؤية الله تعالى : { كلا } أي حقاً { إذا بلغت } يعني النفس كناية عن غير مذكور { التراقي } جمع ترقوة وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشراف على الموت ومنه قول دريد بن الصمة : @ ورب عظيمة دافعت عنها وقد بلغت نفوسهم التراقي @@ { وقيل } يعني وقال من حضره { من راق } أي هل من طبيب يرقيه ويداويه مما نزل به ويشفيه ويخلصه من ذلك برقيته ودوائه ، وقيل لما نزل به من قضاء الله ما نزل التمسوا له الأطباء ، فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئاً ، وقيل هذا من قول الملائكة الذين يحضرونه عند الموت يقول بعضهم لبعض من يرقى بروحه إذا خرجت فيصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ، { وظن } أي أيقن الذين بلغت روحه التراقي { أنه الفراق } يعني الخروج من الدنيا وفراق المال ولأهل والولد { والتفت } أي اجتمعت { الساق بالساق } أي الشدة بالشدة يعني شدة مفارقة الدنيا مع شدة الموت وكربه ، وقيل شدة الموت بشدة الآخرة ، وقيل تتابعت عليه الشدائد لا يخرج من كرب إلا جاءه ما هو أشد منه ، وقال ابن عباس : أمر الدنيا بأمر الآخرة فكان في آخر يوم من أيام الدّنيا وأول يوم من أيام الآخرة ، وقيل الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه ، وقيل هما ساقا الميت إذا لفتا في الكفن ، وقيل هما ساقاه عند الموت ألا تراه كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى عند النزع ، وقيل إذا مات يبست ساقاه فالتفت إحداهما بالأخرى .