Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 83-86)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظاهر في الفاء من حيث أنّ مدلولها التعقيب أن هذا الإيمان الصادر من الذرية لم يتأخر عن قصة الإلقاء . والظاهر أن الضمير في قومه عائد على موسى ، وأنه لا يعود على فرعون ، لأنّ موسى هو المحدث عنه في هذه الآية ، وهو أقرب مذكور . ولأنه لو كان عائداً على فرعون لم يظهر لفظ فرعون ، وكان التركيب على خوف منه . ومن ملإهم أن يفتنهم ، وهذا الإيمان من الذرية كان أول مبعثه إذ قد آمن به بنو إسرائيل قومه كلهم ، كان أولاً دعا الآباء فلم يجيبوه خوفاً من فرعون ، واجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف . وقال مجاهد والأعمش : معنى الآية أنّ قوماً أدركهم موسى ولم يؤمنوا ، وإنما آمن ذراريهم بعد هلاكهم لطول الزمن . قال ابن عطية : وهذا قول غير صحيح ، إذا آمن قوم بعد موت آبائهم ، فلا معنى لتخصيصهم باسم الذرية . وأيضاً فما روي من أخبار بني إسرائيل لا يعطي هذا ، وينفيه قوله : فما آمن ، لأنه يعطي تقليل المؤمنين به ، لأنه نفي الإيمان ثم أوجبه لبعضهم ، ولو كان الأكثر مؤمناً لأوجب الإيمان أولاً ثم نفاه عن الأقل ، وعلى هذا الوجه يتخرج قول ابن عباس في الذرية : إنه القليل ، إلا أنه أراد أنّ لفظ الذرية بمعنى القليل كما ظن مكيّ وغيره . وقالت فرقة : إنما سماهم ذرية لأنّ أمهاتهم كانت من بني إسرائيل ، وإماؤهم من القبط . رواه عكرمة عن ابن عباس : فكان يقال لهم الذرية كما قيل لفرس اليمن الأبناء ، وهم الفرس المنتقلون مع وهوز بسعاية سيف بن ذي يزن . وممن ذهب إلى أن الضمير في قومه على موسى : ابن عباس قال : وكانوا ستمائة ألف ، وذلك أن يعقوب عليه السلام دخل مصر في اثنين وسبعين نفساً ، فتوالدوا بمصر حتى صاروا ستمائة ألف . وقيل : الضمير في قومه يعود على فرعون ، روي أنه آمنت زوجة فرعون وخازنه وامرأة خازنه وشباب من قومه . قال ابن عباس أيضاً : والسحرة أيضاً ، فإنهم معدودون في قوم فرعون . وقال السدي : كانوا سبعين أهل بيت من قوم فرعون . قال ابن عطية : ومما يضعف عود الضمير على موسى عليه السلام أنّ المعروف من أخبار بني إسرائيل أنهم كانوا قوماً قد فشت فيهم السوآت ، وكانوا في مدة فرعون قد نالهم ذل مفرط ، وقد رجوا كشفه على يد مولود يخرج فيهم يكون نبياً ، فلما جاءهم موسى عليه السلام أصفقوا عليه وبايعوه ، ولم يحفظ قط أن طائفة من بني إسرائيل كفرت به ، فكيف تعطى هذه الآية أنّ الأقل منهم كان الذي آمن ، فالذي يترجح بحسب هذا أنّ الضمير عائد على فرعون . ويؤيد ذلك أيضاً ما تقدم من محاورة موسى ورده عليهم ، وتوبيخهم على قولهم هذا سحر ، فذكر الله ذلك عنهم ثم قال : فما آمن لموسى إلا ذرية من قوم فرعون الذي هذه أقوالهم . وتكون القصة على هذا التأويل بعد ظهور الآية والتعجيز بالعصا ، وتكون الفاء مرتبة للمعاني التي عطفت انتهى . ويمكن أن يكون معنى فما آمن أي : ما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من قوم موسى ، فلا يدل ذلك على أنّ طائفة من بني إسرائيل كفرت به . والظاهر عود الضمير في قوله : وملاهم ، على الذرية وقاله الأخفش ، واختاره الطبري أي : أخوف بني إسرائيل الذرية وهم أشراف بني إسرائيل إن كان الضمير في قومه عائداً على موسى ، لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفاً من فرعون على أنفسهم . ويدل عليه قوله تعالى : أن يفتنهم أي يعذبهم . وقال ابن عباس : أن يقتلهم . وقيل : يعود على قومه أي : وملا قوم موسى ، أو قوم فرعون . وقيل : يعود على المضاف المحذوف تقديره : على خوف من آل فرعون ، قاله الفراء . كما حذف في ، { وَسئَلِ القرية } [ يوسف : 81 ] ورد عليه بأنّ الخوف يمكن من فرعون ، ولا يمكن سؤال القرية ، فلا يحذف إلا ما دل عليه الدليل . وقد يقال : ويدل على هذا المحذوف جمع الضمير في وملاهم . وقيل : ثم معطوف محذوف يدل عليه كون الملك لا يكون وحده ، بل له حاشية وأجناد ، وكأنه قيل : على خوف من فرعون وقومه وملاهم أي : ملا فرعون وقومه ، وقاله الفراء أيضاً : وقيل : لما كان ملكاً جباراً أخبر عنه بفعل الجميع . وقيل : سميت الجماعة بفرعون مثل هود . وأن يفتنهم بدل من فرعون بدل اشتمال أي : فتنته ، فكون في موضع جر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بخوف إما على التعليل ، وإما على أنه في موضع المفعول به ، أي : على خوف لأجل فتنته ، أو على خوف فتنته . وقرأ الحسن وجراح ونبيح : يفتنهم بضم الياء من أفتن ، ولعال متجر أو باع ظالم ، أو متعال أو قاهر كما قال : @ فاعمد لما تعلو فما لك بالذي لا تستطيع من الأمور يدان @@ أي لما تقهر أقوال متقاربة ، وإسرافه كونه كثير القتل والتعذيب . وقيل : كونه من أخس العبيد فادعى الإلهية ، وهذا الإخبار مبين سبب خوف أولئك المؤمنين منه . وفي الآية مسلاة للرسول صلى الله عليه وسلم بقلة من آمن لموسى ومن استجاب له مع ظهور ذلك المعجز الباهر ، ولم يؤمن له إلا ذرية من قومه ، وخطاب موسى عليه السلام لمن آمن بقوله : يا قوم ، دليل على أن المؤمنين الذرية كانوا من قومه ، وخاطبهم بذلك حين اشتد خوفهم مما توعدهم به فرعون من قتل الآباء وذبح الذرية . وقيل : قال لهم ذلك حين قالوا إنا لمدركون . وقيل : حين قالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، قيل : والأول هو الصواب ، لأنّ جواب كل من القولين مذكور بعده وهو : { كلا إن معي ربي سيهدين } [ الشعراء : 62 ] وقوله : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } [ الأعراف : 129 ] الآية وعلق توكلهم على شرطين : متقدم ، ومتأخر . ومتى كان الشرطان لا يترتبان في الوجود فالشرط الثاني شرط في الأول ، فمن حيث هو شرط فيه يجب أن يكون متقدماً عليه . فالإسلام هو الانقياد للتكاليف الصادرة من الله ، وإظهار الخضوع وترك التمرّد ، والإيمان عرفان القلب بالله تعالى ووحدانيته وسائر صفاته ، وأنّ ما سواه محدث تحت قهره وتدبيره . وإذا حصل هذان الشرطان فوض العبد جميع أموره إلى الله تعالى ، واعتمد عليه في كل الأحوال . وأدخل أنْ على فعلي الشرط وإن كانت في الأغلب إنما تدخل على غير المحقق مع علمه بإيمانهم على وجه إقامة الحجة وتنبيه الأنفس وإثارة الأنفة ، كما تقول : إن كنت رجلاً فقاتل ، تخاطب بذلك رجلاً تريد إقامة البينة . وطول ابن عطية هنا في مسألة التوكل بما يوقف عليه في كتابه . وأجابوا موسى عليه السلام بما أمرهم به من التوكل على الله لأنهم كانوا مخلصين في إيمانهم وإسلامهم ، ثم سألوا الله تعالى شيئين : أحدهما : أن لا يجعلهم فتنة للقوم الظالمين . قال الزمخشري : أي موضع فتنة لهم ، أي عذاب تعذبوننا أو تفتنوننا عن ديننا ، أو فتنة لهم يفتنون بها ويقولون : لو كان هؤلاء على الحق ما أصيبوا . وقال مجاهد وأبو مجلز وأبو الضحى وغيرهم : معنى القول الآخر قال : المعنى لا ينزل بنا ملأنا بأيديهم أو بغير ذلك مدة محاربتنا لهم فيفتنون ويعتقدون أنْ هلاكنا إنما هو بقصد منك لسوء ديننا وصلاح دينهم وأنهم أهل الحق . وقالت فرقة : المعنى لا نفتنهم ونبتليهم بقتلنا وإذايتنا فنعذبهم على ذلك في الآخرة . قال ابن عطية : وفي هذا التأويل قلق . وقال ابن الكلبي : لا تجعلنا فتنة بتقتير الرزق علينا وبسطه لهم . والآخر : ينجيهم من الكافرين أي : من تسخيرهم واستعبادهم . والذي يظهر أنهم سألوا الله تعالى أنْ لا يفتنوا عن دينهم ، وأن يخلصوا من الكفار ، فقدموا ما كان عندهم أهم وهو سلامة دينهم لهم ، وأخروا سلامة أنفسهم ، إذ الاهتمام بمصالح الدين آكد من الاهتمام بمصالح الأبدان .