Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 78-82)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لفت عنقه لوها وصرفها . وقال الأزهري : لفت الشيء وقتله لواه ، وهذا من المقلوب انتهى . ومطاوع لفت التفت ، وقيل : انفتل . { قالوا : أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين . وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم . فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون . فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين . ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون } أجئتنا خطاب لموسى وحده ، لأنه هو الذي ظهرت على يديه معجزة العصا واليد . لتصرفنا وتلوينا عن ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة غير الله ، واتخاذ إله دونه . والكبرياء مصدر . قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وأكثر المتأولين : المراد به هنا الملك ، إذ الملوك موصوفون بالكبر ، ولذلك قيل للملك الجبار ، ووصف بالصد والشرس . وقال ابن الرقيات في مصعب بن الزبير : @ ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولا كبرياء @@ يعني ما عليه الملوك من ذلك . وقال ابن الرقاع : @ سؤدد غير فاحش لا يدانيـ ـه تحبارة ولا كبرياء @@ وقال الأعمش : الكبرياء العظمة . وقال ابن زيد : العلو . وقال الضحاك أيضاً : الطاعة ، والأرض هنا أرض مصر . وقرأ ابن مسعود ، وإسماعيل ، والحسن فيما زعم خارجة ، وأبو عمرو ، وعاصم : بخلاف عنهما ، وتكون بالتاء لمجاز تأنيث الكبرياء ، والجمهور بالياء لمراعاة اللفظ ، والمعنى : أنهم قالوا مقصودك في ذكره إلينا بما جئت ، هو أنْ ننتقل من دين آبائنا إلى ما تأمر به ونطيعك ، ويكون لكما العلو والملك علينا بطاعتنا لك ، فنصير أتباعاً لك تاركين دين آبائنا ، وهذا مقصود لا نراه ، فلا نصدقك فيما جئت به إذ غرضك إنما هو موافقتك على ما أنت عليه ، واستعلاؤك علينا . فالسبب الأول هو التقليد ، والثاني الجد في الرئاسة حتى لا تكونوا تبعاً . واقتضى هذان السببان اللذان توهموهما مقصوداً التصريح بانتفاء الإيمان الذي هو سبب لحصول السببين . ويجوز أن يقصدوا الذم بأنهما إنْ ملكا أرض مصر تكبرا وتجبرا كما قال القبطي : إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض . ولما ادعوا أنّ ما جاء به موسى هو سحر ، أخذوا في معارضته بأنواع من السحر ، ليظهر لسائر الناس أنّ ما أتى به موسى من باب السحر . والمخاطب بقوله : ائتوني ، خدمة فرعون والمتصرفون بين يديه . وقرأ ابن مصرف ، وابن وثاب ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي : بكل سحار على المبالغة . وفي قوله : ألقوا ما أنتم ملقون ، استطالة عليهم وعدم مبالاة بهم . وفي إيهام ما أنتم ملقون ، تخسيس له وتقليل ، وإعلام أنه لا شيء يلتفت إليه . قال أبو عبد الله الرازي : كيف أمرهم ، فالكفر والسحر والأمر بالكفر كفر ؟ قلنا : إنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بإلقاء الحبال والعصى ليظهر للخلق أن ما ألقوا عمل فاسد وسعى باطل ، لا على طريق أنه عليه السلام أمرهم بالسحر انتهى . وقرأ أبو عمرو ، ومجاهد وأصحابه ، وابن القعقاع : بهمزة الاستفهام في قوله : آلسحر ممدودة ، وباقي السبعة والجمهور بهمزة الوصل ، فعلى الاستفهام قالوا : يجوز أن تكون ما استفهامية مبتدأ ، والسحر بدل منها . وأن تكون منصوبة بمضمر تفسيره جئتم به ، والسحر خبر مبتدأ محذوف . ويجوز عندي في هذا الوجه أن تكون ما موصولة مبتدأة ، وجملة الاستفهام خبر ، إذ التقدير : أهو السحر ، أو آلسحر هو ، فهو الرباط كما تقول : الذي جاءك أزيد هو ؟ وعلى همزة الوصل جاز أن نكون ما موصولة مبتدأة ، والخبر السحر ، ويدل عليه قراءة عبد الله والأعمش : سحر . وقراءة أبيّ ما أتيتم به سحر . ويجوز عندي أن تكون في هذا الوجه استفهامية في موضع رفع بالابتداء ، أو في موضع نصب على الاشتغال ، وهو استفهام على سبيل التحقير والتعليل لما جاءوا به ، والسحر خير مبتدأ محذوف أي : هو السحر . قال ابن عطية : والتعريف هنا في السحر ارتب ، لأنه قد تقدم منكراً في قولهم : إن هذا لسحر ، فجاء هنا بلام العهد كما يقال : أول الرسالة سلام عليك ، وفي آخرها والسلام عليك انتهى . وهذا أخذه من الفراء . قال الفراء : وإنما قال السحر بالألف واللام ، لأن النكرة إذا أعيدت أعيدت بالألف واللام ، ولو قال له من رجل لم يقع في وهمه أنه يسأله عن الرجل الذي ذكر له انتهى . وما ذكره هنا في السحر ليس هو من باب تقدم النكرة ، ثم أخبر عنها بعد ذلك ، لأن شرط هذا أن يكون المعرّف بالألف واللام هو النكرة المتقدم ، ولا يكون غيره كما قال تعالى : { كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً * فعصى فرعون الرسول } [ المزمل : 15 - 16 ] وتقول : زارني رجل فأكرمت الرجل ، ولما كان إياه جاز أن يأتي بالضمير بدله فتقول : فأكرمته . والسحر هنا ليس هو السحر الذي هو في قولهم : إن هذا لسحر ، لأن الذي أخبروا عنه بأنه سحر هو ما ظهر على يدي موسى عليه السلام من معجزة العصا ، والسحر الذي في قول موسى إنما هو سحرهم الذي جاؤوا به ، فقد اختلف المدلولان وقالوا هم عن معجزة موسى وقال موسى عما جاؤوا به ، ولذلك لا يجوز أن يأتي هنا بالضمير بدل السحر ، فيكون عائداً على قولهم السحر . والظاهر أنّ الجمل بعده من كلام موسى عليه السلام . وسيبطله يمحقه ، بحيث يذهب أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة على الشعوذة . وقيل : هذه الجمل من كلام الله تعالى . ومعنى بكلماته ، بقضاياه السابقة في وعده . وقال ابن سلام : بكلماته بقوله : { لا تخف إنك انت الأعلى } [ طه : 68 ] وقيل بكلماته بحججه وبراهينه وقرىء بكلمته على التوحيد أي بأمره ومشيئته .