Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 84-86)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان قوم شعيب عبدة أوثان ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده . وبالكفر استوجبوا العذاب ، ولم يعذب الله أمة عذاب استئصال إلا بالكفر ، وإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة . قال ابن عباس : بخير أي : في رخص الأسعار وعذاب اليوم المحيط ، هو حلول الغلاء المهلك . وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق " ونبه بقوله بخير على العلة المقتضية للوفاء لا للنقص . وقال غيره : بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف ، أو بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون ، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه . يوم محيط أي : مهلك من قوله : { وأحيط بثمره } [ الكهف : 42 ] وأصله من إحاطة العدو ، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره . ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب به ، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث ، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه ، كما إذا أحاط بنعيمه . ونهوا أولاً : عن القبيح الذي كانوا يتعاطونه وهو نقص المكيال والميزان ، وفي التصريح بالنهي نعي على المنهى وتعيير له . وأمروا ثانياً : بإيفائهما مصرحاً بلفظهما ترغيباً في الإيفاء ، وبعثا عليه . وجيء بالقسط ليكون الإيفاء على جهة العدل والتسوية وهو الواجب ، لأنّ ما جاوز العدل فضل وأمر منذوب إليه . ونهوا ثالثاً : عن نقص الناس أشياءهم ، وهو عام في الناس ، وفيما بأيديهم من الأشياء كانت مما تكال وتوزن أو غير ذلك . ونهوا رابعاً : عن الفساد في الأرض وهو أعم من أن يكون نقصاً أو غيره ، فبدأهم أولاً بالمعصية الشنيعة التي كانوا عليها بعد الأمر بعبادة الله ، ثم ارتقى إلى عام ، ثم إلى أعم منه وذلك مبالغة في النصح لهم ولطف في استدراجهم إلى طاعة الله . وتفسير معاني هذه الجمل سبق في الأعراف . بقية الله قال ابن عباس : ما أبقى الله لكم من الحلال بعد الإيفاء خير من البخس ، وعنه رزق الله . وقال مجاهد والزجاج : طاعة الله . وقال قتادة : حظكم من الله . وقال ابن زيد : رحمة الله . وقال قتادة : ذخيرة الله . وقال الربيع : وصية الله . وقال مقاتل : ثواب الله في الآخرة ، وذكر الفراء : مراقبة الله . وقال الحسن : فرائض الله . وقيل : ما أبقاه الله حلالاً لكم ولم يحرمه عليكم . قال ابن عطية : وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية ، وإنما المعنى عندي إبقاء الله عليكم إن أطعتم . وقوله : إن كنتم مؤمنين ، شرط في أن يكون البقية خيراً لهم ، وأما من الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال . وجواب هذا الشرط متقدم . والحفيظ المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب ، والمعنى : إنما أنا مبلغ ، والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال انتهى . وليس جواب الشرط متقدماً كما ذكر ، وإنما الجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه على مذهب جمهور البصريين . وقال الزمخشري : وإنما خوطبوا بترك التطفيف والبخس والفساد في الأرض وهم كفرة بشرط الإيمان ، ويجوز أن يريد ما يبقى لهم عند الله من الطاعات كقوله : { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً } [ الكهف : 46 ] وإضافة البقية إلى الله من حيث أنها رزقه الذي يجوز أن يضاف إليه ، وأما الحرام فلا يجوز أن يضاف إلى الله ، ولا يسمى رزقاً انتهى ، على طريق المعتزلة في الرزق ، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة : بقية بتخفيف الياء . قال ابن عطية : هي لغة انتهى . وذلك أن قياس فعل اللازم أن يكون على وزن فعل نحو : سجيت المرأة فهي سجية ، فإذا شددت الياء كان على وزن فعيل للمبالغة . وقرأ الحسن : تقية بالتاء ، وهي تقواه ومراقبته الصارفة عن المعاصي .