Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 87-90)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما أمرهم شعيب بعبادة الله وترك عبادة أوثانهم ، وبإيفاء المكيال والميزان ، ردّوا عليه على سبيل الاستهزاء والهزء بقولهم : أصلاتك ، وكان كثير الصلاة ، وكان إذا صلى تغامزوا وتضاحكوا أن نترك ما يعبد آباؤنا مقابل لقوله : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } [ الأعراف : 59 ] أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء مقابل لقوله : { ولا تنقصوا المكيال والميزان } [ هود : 84 ] وكون الصلاة آمرة هو على وجه المجاز ، كما كانت ناهية في قوله : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] أو يقال : إنها تأمر بالجميل والمعروف أي : تدعو إليه وتبعث عليه . إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز ، وجعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته . والمعنى : فأمرك بتكليفنا أن نترك ، فحذف المضاف لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره . والظاهر أنه أريد بالصلاة الصلاة المعهودة في تلك الشريعة . وقال الحسن : لم يبعث الله نبياً إلى فرض عليه الصلاة والزكاة . وقيل : أريد قراءتك . وقيل : مساجدك . وقيل : دعواتك . وقرأ ابن وثاب والأخوان وحفص : أصلاتك على التوحيد . وقرأ الجمهور : أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء بالنون فيهما . وقرأ الضحاك بن قيس ، وابن أبي عبلة ، وزيد بن علي : بالتاء فيهما على الخطاب ، ورويت عن أبي عبد الرحمن . وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة : نفعل بالنون ، ما نشاء بالتاء على الخطاب ، ورويت عن ابن عباس . فمن قرأ بالنون فيهما فقوله : أو أن نفعل معطوف على قوله : ما يعبد أي : أن نترك ما يعبد آباؤنا وفعلنا في أموالنا ما نشاء . ومن قرأ بالتاء فيهما أو بالنون فيهما فمعطوف على أن نترك أي : تأمرك بترك ما يعبد آباؤنا ، وفعلك في أموالنا ما تشاء ، أو وفعلنا في أموالنا ما تشاء . وأو للتنويع أي : تأمرك مرة بهذا ، ومرة بهذا . وقيل : بمعنى الواو . والظاهر أنّ الذي كانوا يفعلونه في أموالهم هو بخس الكيل والوزن المقدّم ذكره . وقال محمد بن كعب : قرضهم الدينار والدرهم ، وإجراء ذلك مع الصحيح على جهة التدليس ، وعن ابن المسيب : قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض . وقيل : تبديل السكك التي يقصد بها أكل أموال الناس . ومن قرأ بالتاء فيهما أو في نشاء ، والظاهر أنه إيفاء المكيال والميزان . وقال سفيان الثوري : كان يأمرهم بالزكاة . وقوله : إنك لأنت الحليم الرشيد ظاهره أنه إخبار منهم عنه بهذين الوصفين الجميلين ، فيحتمل أن يريدوا بذلك الحقيقة أي : أنك للمتصف بهذين الوصفين ، فكيف وقعت في هذا الأمر من مخالفتك دين آبائنا وما كانوا عليه ، ومثلك من يمنعه حلمه ورشده عن ذلك . أو يحتمل أن يريدوا بذلك إنك لأنت الحليم الرشيد بزعمك إذ تأمرنا بما تأمر به . أو يحتمل أن قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والتهكم ، قاله قتادة . والمراد : نسبته إلى الطيش والعي كما تقول للشحيح : لو رآك حاتم لسجد لك ، وقالوا للحبشي : أبو البيضاء . قال : يا قوم أرأيتم إن كنت هذه مراجعة لطيفة واستنزال حسن ، واستدعاء رقيق ، ولذلك قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك خطيب الأنبياء " وهذا النوع يسمى استدراج المخاطب عند أرباب علم البيان ، وهو نوع لطيف غريب المغزى يتوصل به إلى بلوغ الغرض ، وقد ورد منه في قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه ، وفي قصة نوح وهود وصالح ، وفي قصة مؤمن آل فرعون مع قومه . قال الزمخشري : ( فإن قلت ) : أين جواب أرأيتم ، وما له لم يثبت كما ثبت في قصة نوح وصالح ؟ ( قلت ) : جوابه محذوف ، وإنما لم يثبت لأنّ إثباته في الصفتين دل على مكانه ، ومعنى الكلام يناوي عليه ، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي ، وكنت نبياً على الحقيقة ، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي ، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك انتهى . وتسمية هذا جواباً لأرأيتم ليس بالمصطلح ، بل هذه الجملة التي قدرها هي في موضع المفعول الثاني لأرأيتم ، لأنّ أرأيتم إذا ضمنت معنى أخبرني تعدت إلى مفعولين ، والغالب في الثاني أن يكون جملة استفهامية تنعقد منها ومن المفعول الأول في الأصل جملة ابتدائية كقول العرب : أرأيتك زيداً ما صنع . وقال الحوفي : وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه ، والتقدير : فاعدل عن ما أنا عليه من عبادته على هذه الحال . وقال ابن عطية : وجواب الشرط الذي في قوله : إن كنت على بينة من ربي محذوف تقديره : أضل كما ضللتم ، أو أترك تبليغ الرسالة ونحو هذا مما يليق بهذه المحاجة انتهى . وليس قوله : أضل جواباً للشرط ، لأنه إن كان مثبتاً فلا يمكن أن يكون جواباً لأنه لا يترتب على الشرط وإن كان استفهاماً حذف منه الهمزة ، فهو في موضع المفعول الثاني لأرأيتم ، وجواب الشرط محذوف تدل عليه الجملة السابقة مع متعلقها . والظاهر في قوله : رزقاً حسناً أنه الحلال الطيب من غير بخس ولا تطفيف أدخلتموه أموالكم . قال ابن عباس : الحلال ، وكان شعيب عليه السلام كثير المال . وقيل : النبوة . وقيل : العلم . وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه المعنى : لست أريد أن أفعل الشيء الذي نهيتكم عنه من نقص الكيل والوزن واستأثر بالمال قاله : ابن عطية . وقال قتادة : لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه . وقال صاحب الغنيان : ما أريد أنْ أخالفكم في السرّ إلى ما أنهاكم عنه في العلانية . ويقال : خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مولّ عنه ، وخالفني عنه إذا ولّى عنه وأنت قاصده ، ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فتقول : خالفني إلى الماء ، تريد أنه قد ذهب إليه وارداً ، وأنا ذاهب عنه صادراً . والمعنى أنّ أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لاستبد بها دونكم ، فعلى هذا الظاهر أن قوله : أن أخالفكم في موضع المفعول لأريد ، أي وما أريد مخالفتكم ، ويكون خالف بمعنى خلف نحو : جاوز وجاز أي : وما أريد أن أخلفكم أي : أكون خلفاً منكم . وتتعلق إلى باخالفكم ، أو بمحذوف أي : مائلاً إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قال بعضهم : فيه حذف يقتضيه إلى تقديره : وأميل إلى ، أو يبقى أن أخالفكم على ظاهر ما يفهم من المخالفة ، ويكون في موضع المفعول به بأريد ، وتقدر : مائلاً إلى ، أو يكون أن أخالفكم مفعولاً من أجله ، وتتعلق إلى بقوله وما أريد بمعنى ، وما أقصد أي : وما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه ، ولذلك قال الزجاج : وما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه . والظاهر أن ما مصدرية ظرفية أي مدة استطاعتي للإصلاح ، وما دمت متمكناً منه لا آلوا فيه جهداً . وأجاز الزمخشري في ما وجوهاً أحدها : أن يكون بدلاً من الإصلاح أي : المقدر الذي استطعته ، أو على حذف مضاف تقديره : إلا الإصلاح إصلاح ما استطعت ، فهذان وجهان في البدل . والثالث : أن يكون مفعولاً كقوله : ضعيف النكاتـة أعداءه . أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم ، وهذا الثالث ضعيف ، لأن المصدر المعرّف بأل لا يجوز إعماله في المفعول به عند الكوفيين ، وأما البصريون فإعماله عندهم فيه قليل . وما توفيقي أي لدعائكم إلى عبادة الله وحده ، وترك ما نهاكم عنه إلا بمعونة الله . أو وما توفيقي لأنْ تكون أفعالي مسددة موافقة لرضا الله لا بمعونته ، عليه توكلت لا على غيره ، وإليه أنيب أرجع في جميع أقوالي وأفعالي . وفي هذا طلب التأييد من الله تعالى ، وتهديد للكفار وحسم لأطماعهم أن ينالوه بشر . ومعنى لا يجرمنكم : لا يكسبنكم شقاقي ، أي خلافي وعداوتي . قال السدي : كأنه في شق وهم في شق . وقال الحسن : ضراري جعله من المشقة . وقيل : فراقي . وقرأ ابن وثاب والأعمش : بضم الياء من أجرم ، ونسبها الزمخشري إلى ابن كثير ، وجرم في التعدية مثل كسب يتعدى إلى واحد . جرم فلان الذنب ، وكسب زيد المال ، ويتعدى إلى اثنين جرمت زيداً الذنب ، وكسبت زيداً المال . وبالألف يتعدى إلى اثنين أيضاً ، أجرم زيد عمراً الذنب ، وأكسبت زيداً المال ، وتقدم الكلام في جرم في العقود . وقرأ مجاهد ، والجحدري ، وابن أبي إسحاق ، ورويت عن نافع : مثل بفتح اللام ، وخرج على وجهين : أحدهما : أن تكون الفتحة فتحة بناء ، وهو فاعل كحاله حين كان مرفوعاً ، ولما أضيف إلى غير متمكن جاز فيه البناء ، كقراءة من قرأ أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون . والثاني : أن تكون الفتحة فتحة إعراب ، وانتصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي : إصابة مثل إصابة قوم نوح . والفاعل مضمر يفسره سياق الكلام أي : ان يصيبكم هو أي العذاب . وما قوم لوط منكم ببعيد ، إما في الزمان لقرب عهد هلاكهم من عهدكم ، إذ هم أقرب الهالكين ، وإما في الكفر والمعاصي وما يستحق به الهلاك . وأجرى بعيداً على قوم إما باعتبار الزمان أو المكان ، أي : بزمان بعيد ، أو بمكان بعيد . أو باعتبار موصوف غيرهما أي : بشيء بعيد ، أو باعتبار مضاف إلى قوم أي : وما إهلاك قوم لوط . ويجوز أن يسوي في قريب وبعيد وكثير وقليل بين المفرد والجمع ، وبين المذكر والمؤنث ، كما قالوا : هو صديق ، وهم صديق ، وهي صديق ، وهن صديق . وودود بناء مبالغة من ودّ الشيء أحبه وآثره ، وهو على فعل . وسمع الكسائي : وددت بفتح العين ، والمصدر ود ووداد وودادة . وقال بعض أهل اللغة : يجوز أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول . وقال المفسرون : ودود متحبب إلى عباده بالإحسان إليهم . وقيل : محبوب المؤمنين ورحمته لعباده ، ومحبته لهم سبب في استغفارهم وتوبتهم ، ولولا ذلك ما وفقهم إلى استغفاره والرجوع إليه ، فهو يفعل بهم فعل الوادّ بمن يودّه من الإحسان إليه .