Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 11-14)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ارتعى افتعل من الرعي بمعنى المراعاة وهي الحفظ للشيء ، أو من الرعي وهو أكل الحشيش والنبات ، يقال : رعت الماشية الكلأ ترعاه رعياً أكلته ، والرعي بالكسر الكلأ ، ومثله ارتعى . قال الأعشى : @ ترتعي السفح فالكثيب فذا قا ر فروض القطا فذات الرمال @@ رتع أقام في خصب وتنعم ، ومنه قول الغضبان بن القبعثري : القيد ، والمتعة ، وقلة الرتعة . وقول الشاعر : @ أكفراً بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا @@ الذئب : سبع معروف ، وليس في صقعنا الأندلسي ، ويجمع على أذؤب وذئاب وذؤبان قال : @ وأزور يمطو في بلاد بعيدة تعاوى به ذؤبانه وثعالبه @@ وأرض مذأبة كثيرة الذئاب ، وتذاءبت الريح جاءت من هنا ومن هنا ، فعل الذئب ومنه الذؤابة من الشعر لكونها تنوس إلى هنا وإلى هنا . { قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون . أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون . قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون } : لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه ، أعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم ، وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم من انشراح صدره بالارتعاء واللعب ، إذ هو مما يشرح الصبيان ، وذكروا حفظهم له مما يسوؤه . وفي قولهم : ما لك لا تأمنا ، دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أنْ يخرج معهم ، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي : لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذا ؟ والنصح دليل على الأمانة ، ولهذا قرنا في قوله : ناصح أمين ، وكان قد أحس منهم قبل ما أوجب أنْ لا يأمنهم عليه . ولا تأمنا جملة حالية ، وهذا الاستفهام صحبة التعجب . وقرأ زيد بن علي ، وأبو جعفر ، والزهري ، وعمرو بن عبيد : بإدغام نون تأمن في نون الضمير من غير إشمام ومجيئه بعد مالك ، والمعنى : يرشد إلى أنه نفي لا نهي ، وليس كقولهم : ما أحسننا في التعجب ، لأنه لو أدغم لالتبس بالنفي . وقرأ الجمهور : بالإدغام والإشمام للضم ، وعنهم إخفاء الحركة ، فلا يكون إدغاماً محضاً . وقرأ ابن هرمز : بضم الميم ، فتكون الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتها ، وإدغام النون في النون . وقرأ أبي ، والحسن ، وطلحة بن مصرف ، والأعمش : لا تأمننا بالإظهار ، وضم النون على الأصل ، وخط المصحف بنون واحدة . وقرأ ابن وثاب ، وأبو رزين : لا يتمنا على لغة تميم ، وسهل الهمزة بعد الكسرة ابن وثاب . وفي لفظة : أرسله ، دليل على أنه كان يمسكه ويصحبه دائماً . وانتصب غداً على الظرف ، وهو ظرف مستقبل يطلق على اليوم الذي يلي يومك ، وعلى الزمن المستقبل من غير تقييد باليوم الذي يلي يومك . وأصله : غدو ، فحذفت لامه وقد جاء تاماً . وقرأ الجمهور : يرتع ويلعب بالياء والجزم ، والإبنان وأبو عمر وبالنون والجزم وكسر العين الحرميان ، واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحذفها . وروي عن ابن كثير : ويلعب بالياء ، وهي قراءة جعفر بن محمد . وقرأ العلاء بن سيابة : يرتع بالياء وكسر العين مجزوماً محذوف اللام ، ويلعب بالياء وضم الباء خبر مبتدأ محذوف أي : وهو يلعب . وقرأ مجاهد ، وقتادة ، وابن محيصن : بنون مضمومة من ارتعنا ونلعب بالنون ، وكذلك أبو رجاء ، إلا أنه بالياء فيهما يرتع ويلعب ، والقراءتان على حذف المفعول أي : يرتع المواشي أو غيرها . وقرأ النخعي : نرتع بنون ، ويلعب بياء ، بإسناد اللعب إلى يوسف وحده لصباه ، وجاء كذلك عن أبي إسحاق ، ويعقوب . وكل هذه القراآت الفعلان فيها مبنيان للفاعل . وقرأ زيد بن علي : يرتع ويلعب بضم الياءين مبنياً للمفعول ، ويخرجها على أنه أضمر المفعول الذي لم يسم فاعله وهو ضمير غد ، وكان أصله يرتع فيه ويلعب فيه ، ثم حذف واتسع ، فعدى الفعل للضمير ، فكان التقدير : يرتعه ويلعبه ، ثم بناه للمفعول فاستكن الضمير الذي كان منصوباً لكونه ناب عن الفاعل . واللعب هنا هو الاستباق والانتضال ، فيدربون بذلك لقتال العدو ، سموه لعباً لأنه بصورة اللعب ، ولم يكن ذلك للهو بدليل قولهم : إننا ذهبنا نستبق ، ولو كان لعب لهو ما أقرهم عليه يعقوب . ومن كسر العين من يرتع فهو يفتعل . قال مجاهد : هي من المراعاة أي : يراعي بعضنا بعضاً ويحرسه . وقال ابن زيد : من رعى الإبل أي يتدرب في الرعي ، وحفظ المال ، أو من رعى النبات والكلأ ، أي : يرتع على حذف مضاف أي : مواشينا . ومن أثبت الياء . فقال ابن عطية : هي قراءة ضعيفة لا تجوز إلا في الشعر كقول الشاعر : @ ألم يأتيك والأنباء تنمى بما لاقت لبون بني زياد @@ انتهى . وقيل : تقدير حذف الحركة في الياء لغة ، فعلى هذا لا يكون ضرورة . ومن قرأ بسكون العين فالمعنى : نقم في خصب وسعة ، ويعنون من الأكل والشرب . وإنا له لحافظون جملة حالية ، والعامل فيه الأمر أو الجواب ، ولا يكون ذلك من باب الإعمال ، لأن الحال لا تضمر ، وبأنّ الإعمال لا بد فيه من الإضمار إذا أعمل الأول ، ثم اعتذر لهم يعقوب بشيئين : أحدهما : عاجل في الحال ، وهو ما يلحقه من الحزن لمفارقته وكان لا يصبر عنه . والثاني : خوفه عليه من الذئب إن غفلوا عنه برعيهم ولعبهم ، أو بقلة اهتمامهم بحفظه وعنايتهم ، فيأكله ويحزن عليه الحزن المؤبد . وخص الذئب لأنه كان السبع الغالب على قطره ، أو لصغر يوسف فخاف عليه هذا السبع الحقير ، وكان تنبيهاً على خوفه عليه ما هو أعظم افتراساً . ولحقارة الذئب خصه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه لما بلغ من السن في قوله : @ والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا @@ وكان يعقوب بقوله : وأخاف أن يأكله الذئب لقنهم ما يقولون من العذر إذا جاؤوا وليس معهم يوسف ، فلقنوا ذلك وجعلوه عدة للجواب ، وتقدّم خلاف القراء في يحزن . وقرأ زيد بن علي ، وابن هرمز ، وابن محيصن : ليحزني بتشديد النون ، والجمهور بالفك . وليحزنني مضارع مستقبل لا حال ، لأن المضارع إذا أسند إلى متوقع تخلص للاستقبال ، لأنّ ذلك المتوقع مستقبل وهو المسبب لأثره ، فمحال أنْ يتقدم الأثر عليه ، فالذهاب لم يقع ، فالحزن لم يقع . كما قال : @ يهولك أن تموت وأنت ملغ لما فيه النجاة من العذاب @@ وقرأ زيد بن علي : تذهبوا به من أذهب رباعياً ، ويخرج على زيادة الباء في به ، كما خرج بعضهم تنبت بالدهن . في قراءة من ضم التاء وكسر الباء أي : تنبت الدهن وتذهبوه . وقرأ الجمهور : والذئب بالهمز ، وهي لغة الحجز . وقرأ الكسائي ، وورش ، وحمزة : إذا وقف بغير همز . وقال نصر : سمعت أبا عمر ولا يهمز . وعدل إخوة يوسف عن أحد الشيئين وهو حزنه على ذهابهم به لقصر مدة الحزن ، وإيهامهم أنهم يرجعون به إليه عن قريب ، وعدلوا إلى قضية الذئب وهو السبب الأقوى في منعه أن تذهبوا به ، فحلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم ، وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفي الخطوب . إنهم إذاً لقوم خاسرون أي : هالكون ضعفاء وجوراً وعجزاً ، أو مستحقون أن يهلكوا ، لأنهم لا غنى عندهم ولا جدوى في حياتهم ، أو مستحقون بأن يدعى عليهم بالخسار والدمار ، وأن يقال : خسرهم الله ودمرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون . وقيل : إن لم نقدر على حفظ بعضنا فقد هلكت مواشينا ، إذاً وخسرنا . وروي أن يعقوب رأى في منامه كأنه على ذروة جبل ، وكان يوسف في بطن الوادي ، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته يردن أكله ، فدرأ عنه واحد ، ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام .