Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 32-35)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذا اسم الإشارة ، واللام لبعد المشار ، وكن خطاب لتلك النسوة . واحتمل أن يكون لما رأى دهشهن وتقطيع أيديهن بالسكاكين وقولهن : ما هذا بشراً ، بعد عنهن إبقاء عليهن في أنْ لا تزداد فتنتهن ، وفي أنْ يرجعن إلى حسنهن ، فأشارت إليه باسم الإشارة الذي للبعيد ، ويحتمل أن تكون أشارت إليه وهو للبعد قريب بلفظ البعيد رفعاً لمنزلته في الحسن ، واستبعاداً لمحله فيه ، وأنه لغرابته بعيد أن يوجد منه . واسم الإشارة تضمن الأوصاف السابقة فيه كأنه قيل : الذي قطعتن أيديكن بسببه وأكبرتنه وقلتن فيه ما قلتن من نفي البشرية عنه وإثبات الملكية له ، هو الذي لمتنني فيه أي : في محبته وشغفي به ، قال الزمخشري : ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهن : عشقت عبدها الكنعاني تقول : هذا ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه ، يعني : إنكن لو تصورنه بحق صورته ، ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتننان به انتهى . والضمير في فيه عائد على يوسف . وقال ابن عطية : ويجوز أن تكون الإشارة إلى حب يوسف ، والضمير عائد على الحب ، فيكون ذلك إشارة إلى غائب على بابه انتهى . ثم أقرت امرأة العزيز للنسوة بالمراودة ، واستنامت إليهن في ذلك ، إذ علمت أنهن قد عذرنها . فاستعصم قال ابن عطية : معناه طلب العصمة ، وتمسك بها وعصاني . وقال الزمخشري : والاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد ، كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها ، ونحو : استمسك ، واستوسع ، ، واستجمع الرأي ، واستفحل الخطب . وهذا بيان لما كان من يوسف عليه السلام لا مزيد عليه ، وبرهان لا شيء أنور منه على أنه بريء مما أضاف إليه أهل الحشو مما فسروا به الهمّ والبرهان انتهى . والذي ذكر التصريفيون في استعصم أنه موافق لاعتصم ، فاستفعل فيه موافق لافتعل ، وهذا أجود من جعل استفعل فيه للطلب ، لأن اعتصم يدل على وجود اعتصامه ، وطلب العصمة لا يدل على حصولها . وأما أنه بناء مبالغة يدل على الاجتهاد في الاستزادة من العصمة ، فلم يذكر التصريفيون هذا المعنى لاستفعل . وأما استمسك واستوسع واستجمع الرأي فاستفعل فيه موافقة لافتعل ، والمعنى : امتسك واتسع واجتمع الرأي ، وأما استفحل الخطب فاستفعل فيه موافقة لتفعل أي : تفحل الخطب نحو : استكبر وتكبر . ثم جعلت تتوعده مقسمة على ذلك وهو يسمع قولها بقولها : ولئن لم يفعل ما آمره . والضمير في آمره عائد على الموصول أي : ما آمر به ، فحذف الجار ، كما حذف في أمرتك الخير . ومفعول آمر الأول محذوف ، وكان التقدير ما آمره به . وإن جعلت ما مصدرية جاز ، فيعود الضمير على يوسف أي : أمري إياه ، ومعناه : موجب أمري . وقرأت فرقة : وليكونن بالنون المشددة ، وكتبها في المصحف بالألف مراعاة لقراءة الجمهور بالنون الخفيفة ، ويوقف عليها بالألف كقول الأعشى : @ ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا @@ ومن الصاغرين : من الأذلاء ، ولم يذكر هنا العذاب الأليم الذي ذكرته في ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ، لأنها إذ ذاك كانت في طراوة غيظها ومتنصلة من أنها هي التي راودته ، فناسب هناك التغليظ بالعقوبة . وأما هنا فإنها في طماعية ورجاء ، وأقامت عذرها عند النسوة ، فرقت عليه ، فتوعدته بالسجن . وقال له النسوة : أطع وافعل ما أمرتك به ، فقال : رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه . فأسند الفعل إليهن لما ينصحن له وزين له مطاوعتها ، ونهينه عن الفاء نفسه في السجن والصغار ، فالتجأ إلى الله تعالى . والتقدير : دخول السجن . وقرأ عثمان ، ومولاه طارق ، وزيد بن علي ، والزهري ، وابن أبي إسحاق ، وابن هرمز ، ويعقوب : السجن بفتح السين وهو مصدر سجن أي : حبسهم إياي في السجن أحب إليّ وأحب هنا ليست على بابها من التفضيل ، لأنه لم يحب ما يدعونه إليه قط ، وإنما هذان شران ، فآثر أحد الشرّين على الآخر ، وإن كان في أحدهما مشقة وفي الآخر لذة ، لكن لما يترتب على تلك اللذة من معصية الله وسوء العاقبة ، ولم يخطر له ببال . ولما في الآخر من احتمال المشقة في ذات الله ، والصبر على النوائب ، وانتظار الفرج ، والحضور مع الله تعالى في كل وقت داعياً له في تخليصه . آثره ثم ناط العصمة بالله ، واستسلم لله كعادة الأنبياء والصالحين ، وأنه تعالى لا يصرف السوء إلا هو . فقال : وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن أي : أمل إلى ما يدعونني إليه . وجعل جواب الشرط قوله : أصب ، وهي كلمة مشعرة بالميل فقط ، لا بمباشرة المعصية . وقرىء أصب إليهن من صببت صبابة فأنا صب ، والصبابة إفراط الشوق ، كأنه ينصب فيما يهوي . وقراءة الجمهور : أصب من صبا إلى اللهو يصبو صباً وصبوّا ، ويقال : صبا يصبا صباً ، والصبا بالكسر اللهو واللعب . وأكن من الجاهلين من الذين لا يعلمون بما ، لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء ، أو من السفهاء لأنّ الوقوع في موافقة النساء والميل إليهن سفاهة . قال الشاعر : @ إحدى بليلي وما هام الفؤاد بها إلا السفاه وإلا ذكرة حلما @@ وذكر استجابة الله له ولم يتقدم لفظ دعاء لأن قوله : وإلا تصرف عني ، فيه معنى طلب الصرف والدعاء ، وكأنه قال : رب اصرف عني كيدهن ، فصرف عنه كيدهن أي : حال بينه وبين المعصية . إنه هو السميع لدعاء الملتجئين إليه ، العليم بأحوالهم وما انطوت عليه نياتهم . ثم بدا لهم أي : ظهر لهم ، والفاعل لبدا ضمير يفسره ما يدل عليه المعنى أي : بدا لهم هو أي رأى أو بدا . كما قال : @ بـدا لـك مـن تلك القلوص بـداء @@ هكذا قاله النحاة والمفسرون ، إلا من أجاز أن تكون الجملة فاعلة ، فإنه زعم أن قوله : ليسجننه في موضع الفاعل لبدا أي : سجنه حتى حين ، والرد على هذا المذهب مذكور في علم النحو . والذي أذهب إليه أن الفاعل ضمير يعود على السجن المفهوم من قوله : ليسجنن ، أو من قوله : السجن على قراءة الجمهور ، أو على السجن على قراءة من فتح السين . والضمير في لهم للعزيز وأهله ، والآيات هي : الشواهد الدالة على براءة يوسف . قال مجاهد وغيره : قد القميص ، فإن كان الشاهد طفلاً فهي آية عظيمة ، وإن كان رجلاً فيكون استدلالاً بالعادة . والذي يظهر أنّ الآية إنما يعبر بها عن الواضح الجلي ، وجمعها يدل على ظهور أمور واضحة دلت على براءته ، وقد تكون الآيات التي رأوها لم ينص على جميعها في القرآن ، بل رأوا قول الشاهد . وقد القميص وغير ذلك مما لم يذكره . وأما ما ذكره عكرمة أن من الآيات خمش وجهها ، والسدي من حز أيديهن ، فليس في ذلك دلالة على البراءة فلا يكون آية . وليسجننه جواب قسم محذوف والقسم وجوابه معمول لقول محذوف تقديره قائلين . وقرأ الحسن : لتسجننه بالتاء على خطاب بعضهم العزيز ومن يليه ، أو العزيز وحده على وجه التعظيم . وقرأ ابن مسعود : عتى بإبدال حاء حتى عينا ، وهي لغة هذيل . وأقرأ بذلك فكتب إليه يأمره أن يقرىء بلغة قريش حتى لا بلغة هذيل ، والمعنى : إلى زمان . والحين يدل على مطلق الوقت ، ومن عين له هنا زماناً فإنما كان ذلك باعتبار مدة سجن يوسف ، لا أنه موضوع في اللغة كذلك ، وكأنها اقترحت زماناً حتى تبصر ما يكون منه . وفي سجنهم ليوسف دليل على مكيدة النساء ، واستنزال المرأة لزوجها ومطاوعته لها ، وعشقه لها ، وجعله زمام أمره بيدها ، هذا مع ظهور خيانتها وبراءة يوسف . روي أنه لما امتنع يوسف من المعصية ، ويئست منه امرأة العزيز قالت لزوجها : إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس ، وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر بحسب اختياره ، وأنا محبوسة محجوبة ، فأما أذنت لي فخرجت إلى الناس فاعتذرت وكذبته ، وإلا حبسته كما أنا محبوسة ، فحينئذ بدا لهم سجنه ، قال ابن عباس : فأمر به فحمل على حمار ، وضرب بالطبل ، ونودي عليه في أسواق مصر أنّ يوسف العبراني أراد سيدته ، فهذا جزاؤه أن يسجن . قال أبو صالح : ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكي .